الحسابات الفلكية مرتبطة بالسحر وعلم النجوم

الحسابات الفلكية مرتبطة بالسحر وعلم النجوم

إن من الأسباب الرئيسية التي دفعت هؤلاء الفقهاء إلى رفض إثبات الشهر عن طريق الحسابات الفلكية رفضاً تاماً هو الخلط بين الفلك وبين السحر الذي يحرمه الإسلام تحريماً تاماً. هذا ما ذكره الحافظ ابن حجر:

 "لَا اعْتِبَارَ بِحِسَابِ النُّجُومِ , وَلَا بِمَنْ عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ إلَى آخِرِهِ , يَدُلُّ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : " إنَّا أُمَّةٌ أُمَيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ " - الْحَدِيثَ - وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : " مَا اقْتَبَسَ رَجُلٌ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ إلَّا اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ " . وَعَنْ عُمَرَ قَالَ : " تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ , ثُمَّ أَمْسِكُوا " رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ . وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : الَّذِي أَقُولُ : إنَّ الْحِسَابَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ لِمُقَارَنَةِ الْقَمَرِ لِلشَّمْسِ عَلَى مَا يَرَاهُ الْمُنَجِّمُونَ , فَإِنَّهُمْ قَدْ يُقَدِّمُونَ الشَّهْرَ بِالْحِسَابِ عَلَى الرُّؤْيَةِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ . وَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ إحْدَاثُ شَرْعٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ بِه".[1]ِ

لهذا فإن ابن حجر يحرم بشدة استخدام الحسابات الفلكية مستنداً إلى الأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر المسلمين من التنجيم كقوله: "لا أحد يتعلم شيئاً من النجوم إلا وقد تعلم شيئاً من السحر".

وكذلك الخليفة عمر بن الخطاب قال: "تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر وحسب".

لذا فإن أي علم يتعلق بالنجوم فيما عدا معرفة إتجاهات القبلة علم محرم وغير شرعي عند ابن حجر.

ويعارض الإمام الحنبلي شيخ الإسلام ابن تيمية بقوة استخدام الحسابات الفلكية في الدين سواءً لنفي أو إثبات الشهور الإسلامية. فهو يؤكد بشدة أن الحسابات الفلكية لا يمكن أن تكون  بأي حال من الأحوال دقيقة في إثبات رؤية الهلال. هذا هو أيضاً كان نهج بعض العلماء مثل العراقي والجصاص.

وقد اعتبر ابن تيمية رأي بعض العلماء المتأخرين الذين رخصوا استخدام الحسابات الفلكية رأياً ضالاً.

"اتفق علماء الشريعة الاعلام على تحريم العمل بذلك فى الهلال   واتفق أهل  الحساب   العقلاء على أن معرفة ظهور الهلال لا يضبط بالحساب ضبطا تاما قط ولذلك لم يتكلم فيه حذاق  الحساب   بل أنكروه وانما تكلم فيه قوم من متأخريهم تقريبا وذلك ضلال عن دين الله وتغيير له شبيه بضلال اليهود".[2] 

يبدوا أن ابن تيمية يشير هنا إلى مجمع أحبار اليهود الذي قرر تبني الحسابات الفلكية على أنها الطريقة الصحيحة لإثبات شهور السنة اليهودية. وسجل رأيه في تلك الحسابات في موضع آخر بحزم فقال:

"ولا ريب انه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة انه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم كما ثبت عنه فى الصحيحين انه قال انا امة امية لا نكتب ولا نحسب صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته والمعتمد على الحساب فى الهلال كما انه ضال فى الشريعة مبتدع فى الدين فهو مخطىء فى العقل وعلم  الحساب".[3]

الحسابات الفلكية غير دقيق

وأضاف الإمام ابن تيمية أيضاً أن معرفة النجوم والفلك ضلالة، وأنها محرمة بذاته في الشريعة الإسلامية، وأن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، كما ساق عدة أدلة نبوية لتحريم التنجيم:

"وَإِنْ تَوَهَّمَ الْمُتَوَهِّمُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِمَةً لِلْمَعْرِفَةِ بِالْحَوَادِثِ , وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ فَالْجَهْلُ فِي ذَلِكَ أَضْعَفُ , وَمَضَرَّةُ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ , وَلِهَذَا قَدْ عَلِمَ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ بِالتَّجْرِبَةِ وَالتَّوَاتُرِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا الْمُنَجِّمُونَ يَكُونُ الْكَذِبُ فِيهَا أَضْعَافَ الصِّدْقِ , وَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ الْكُهَّانِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ , عَنْ { النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إنَّ مِنَّا قَوْمًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ , فَقَالَ : إنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِالشَّيْءِ فَيَكُونُ حَقًّا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنْ الْحَقِّ يَسْمَعُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقِرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ } . وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ إذَا قَضَى بِالْأَمْرِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ , كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانَ حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ , قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا : الْحَقَّ , وَأَنَّ كُلَّ أَهْلِ سَمَاءٍ يُخْبِرُونَ أَهْلَ السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهِمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخَبَرُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا , وَهُنَاكَ مُسْتَرِقَةُ السَّمْعِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ , فَرُبَّمَا سَمِعَ الْكَلِمَةَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ الشِّهَابُ , بَعْدَ أَنْ يُلْقِيَهَا , قَالَ صلى الله عليه وسلم : { فَلَوْ أَتَوْا بِالْأَمْرِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَكِنْ يَزِيدُونَ فِي الْكَلِمَةِ مِائَةَ كِذْبَةٍ }".[4]

لقد اعتمد ابن تيمية في رأيه هذا على حال المنجمين في زمنه؛ حيث كان يطلق هذا الاسم على من يدعي علم النجوم في ذلك الوقت. لذا فإنه استخلص من الواقع السائد حوله أن الحسابات الفلكية تعتمد على الأكاذيب والخداع والغش.

"وَهَكَذَا الْمُنَجِّمُونَ, حَتَّى أَنِّي لَمَّا خَاطَبْتُهُمْ بِدِمَشْقَ وَحَضَرَ عِنْدِي رُؤَسَاؤُهُمْ , وَبَيَّنْتُ فَسَادَ صِنَاعَتِهِمْ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَعْتَرِفُونَ بِصِحَّتِهَا , قَالَ لِي رَئِيسٌ مِنْهُمْ : وَاَللَّهِ إنَّا نَكْذِبُ مِائَةَ كِذْبَةٍ حَتَّى نَصْدُقَ فِي كَلِمَةٍ".[5]

وقال أيضاً:

"وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ وَتَحْرِيمِهَا كَثِيرَةٌ , لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا , وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ , عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ { مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا } . وَالْعَرَّافُ , قَدْ قِيلَ إنَّهُ اسْمٌ عَامٌّ لِلْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ وَنَحْوِهِمْ".[6]

إن هذه المجموعة من العلماء قد حددت عدداً من العقوبات لكل من يخوض في مجال الحسابات الفلكية والتنجيم. فعلى سبيل المثال: أشار محمد بن أحمد العليش أنه لا يجوز لأي مسلم ولا حتى المنجمين أنفسهم أن يصوموا اعتماداً على الحسابات الفلكية، فإن اتباع المنجم أمر محرم. وإذا كان المنجم يعلن بين الناس أن النجوم لها تأثير على القضاء والقدر، وعلى أقدار الناس فإنه يقتل دون استتابة، أما في حالة كتمانه لمعتقداته وإبقائه على رأيه حول تأثير النجوم على حياة الناس سراً، ففي هذه الحالة يعامل معاملة المرتد، فيستتاب, فإن رفض التوبة يقتل. ويكون المنجم مؤمناً عاصياً إذا اعتمد على النجوم في النبوءات واتخذها أنها علامات على ما يحدث في العالم مع اعتقاده الكامل أن الله هو المتصرف في كونه والمقدر فيه، وليست النجوم هي الفاعلة.

"وَالْحَاسِبُ الَّذِي يَحْسِبُ سَيْرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَعَلَى كُلٍّ لَا يَصُومُ أَحَدٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَعْتَمِدُ هُوَ فِي نَفْسِهِ عَلَى  ذَلِكَ وَحَرُمَ تَصْدِيقُ مُنَجِّمٍ وَيُقْتَلُ إنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ النُّجُومِ وَأَنَّهَا الْفَاعِلَةُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إنْ أَسَرَّهُ , فَإِنْ أَظْهَرَ . وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَمُرْتَدٌّ فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ تَأْثِيرَهَا وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُمَا أَمَارَةً عَلَى مَا يَحْدُثُ فِي الْعَالَمِ فَمُؤْمِنٌ عَاصٍ".[7]

يرى ابن رشد الحفيد الفقيه المالكي المعروف بأن المنجم يجب أن يزجر ويؤدب.

"عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ يُزْجَرُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ تَصْدِيقُهُ لقوله تعالى { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ } وَلِخَبَرِهِ { مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } صلى الله عليه وسلم . وَغَيْرُ عَاصٍ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ إذَا أَسْنَدَ ذَلِكَ لِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لِحَدِيثِ { إذَا أَنْشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ غُدَيْقَةٌ } , وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ وَهُوَ { أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي , فَاَلَّذِي قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ , وَاَلَّذِي قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ } فَهُوَ فِيمَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ لِلنَّوْءِ بِهَذَا جَمَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه بَيْنَهُمَ".ا[8]

ويسمي المبارك بن محمد الجزري الفلكيين بشياطين الإنس؛ لأنهم يعتمدون في حساباتهم على مجرد الحدس والتخمين. كما أنه أورد الحديث الذي يربط علم الفلك بالسحر.

"لأنهم شياطين الإنس وقد جاء في بعض الأحاديث من اقتب بابا من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر".[9]

 

 

[1]- – شهاب الدين أبوالفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الشافعي ابن حجر ، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، دار الكتب العلمية الطبعة، الطبعة الأولى 1419هـ .1989م ، ج.2، ص.360.

[2] - فتاوٍي إبن تيمية، ج.6، ص.590.

[3] - إبن تيمية, فتاوى, ج.6, ص.75

   -[4]ابن تيمية، فتاوى, ج.9، ص.224

[5]- أيضاً

[6]- أيضاً

[7]- محمد بن أحمد بن محمد عليش، منح الجليل شرح مختصر خليل، البيروت,  دار الفكر، ج.2، ص.113-114.

[8] - عليش، منح الجليل شرح مختصر خليل، بيروت, دار الفكر، ج.2، ص.114

[9]- – المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الأثر،  المحقق طاهر أحمد الزاوي و محمود محمد الطناحي، بيروت،المكتبة العلمية، 1979م، ج.2 ,ص.205

 

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.