حجة من يقول بالأخذ بالحسابات الفلكية 2

أما إذا عدنا ثانية إلى المعنى اللغوي لعبارة (فاقدوا له) نجد أن هذه العبارة ذاتها وردت في حديث الرسول الذي يتحدث عن الدجال، ويخبر النبي فيه أن اليوم الواحد سيطول ويمتد حتى يصبح كالسنة أو كالشهر أو كالأسبوع. وعندما سأله الصحابة عن كيفية معرفة أوقات الصلوات الخمس أجاب النبي بنفس العبارة السابقة (فاقدوا له) بمعنى فاحسبوا لها.

هذه العبارة في الحديث لا يمكن أن تعني بحال من الأحوال أكملوا العدة تسعةً وعشرين أو ثلاثين يوماً، لكنها بالتأكيد تعني الحساب والتقدير. وهنا نورد الحديث:

يروي الإمام مسلم:

"حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلَابِيَّ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَقَالَ غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ..."[20]

"حدثنا صَفْوَانَ بنُ صَالحٍ الدِّمَشْقِيُّ المُؤَدِّن أخبرنا الْوَلِيدُ أخبرنا ابنُ جَابِرٍ حدَّثني يَحْيَى بنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ عن عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ جُبَيْرٍ بنِ نُفَيْرٍ عن أبِيهِ عن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ ، قال: «ذَكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فقالَ: إنْ يَخْرُجْ وأَنَا فِيكُم حَجِيجُهُ دُونَكُم وَإِنَّ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُم فامْرُؤٌ حَجِيجٌ نَفْسُهُ، وَالله خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمنْ أدْرَكَهُ مِنْكُم فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ بَفَواتِحِ سُوَرَةِ الْكَهْفِ فإنَّهَا جِوَارُكُم مِنْ فِتْنَتِهِ. قُلْنا: وَمَا لَبْثُهُ في الأرْضِ. قالَ: أرْبَعُونَ يَوْماً، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ، وَسَائِرُ أيَّامِهِ كَأَيَّامِكُم. فقُلْنا: يَا رَسُولَ الله هٰذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةَ يَوْمِ وَلَيْلَةٍ؟ قال: لاَ، أقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ". [21]

«ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا، فسألناه، فقلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل؟ قال: غير الدجال أخوف مني عليكم، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب جعد، قطط، عينه طافية، وأنه يخرج خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وشمالاً، يا عباد الله اثبتوا، قلنا: يا رسول الله ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعين يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي هو كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، أقدروا له قدره".[22]

"عَنْ النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الكِلاَبِيِّ قالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ الله الدَّجَّالَ ذَاتَ غَداةٍ فَخفَّضَ فيهِ وَرَفَّعَ حتى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، قَالَ فانْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ الله ثم رَجَعْنَا إِلَيْهِ فَعرَف ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ الله ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الغَدَاةَ فَخفَّضْتَ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ قَالَ: غَيْرُ الدَّجّالِ أَخْوَفُ لِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجيجُ نَفْسِهِ، وَالله خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ قَائِمةٌ شَبِيهٌ بِعَبْدِ العُزَّي بنِ قَطَنٍ، فَمَنْ رَآهُ مِنكُمْ فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ أَصْحَابِ الكَهْفِ. قَالَ: يَخْرُجُ مَا بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ فَعَاثَ يَميناً وَشِمَالاً، يَا عِبَادَ الله الْبَثُوا. : قلْنَا يَا رَسُولَ الله وَمَا لَبْثُهُ في الأَرْضِ؟ قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْماً يوم كَشَهْرِ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَامِهِ كَأَيَّامِكُمْ . قَالَ قَلْنَا يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ اليَوْمَ الَّذِي كالسَّنَةِ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ لاَ، وَلَكِنْ اقدُرُوا لَهُ".[23]

لهذا فإن تفسير عبارة (فاقدوا له) على أنها احسبوا أو عدوا للشهر، أو احسبوا منازل القمر، هو أكثر مناسبة من التفسيرين الآخرين. لذلك قبل بعض العلماء المعروفين في المدارس الفقهية الثلاثة الحسابات الفلكية في إثبات شهر رمضان في حالة الإغمام.

 وينبغي الإنتباه إلى أن هناك حديثاً مفرداً عن حماد أن ابن عمر روى عن النبي "فاقدروا له ثلاثين" بدلا من "فاقدروا له":

"حدثنا سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ أخبرنا حَمَّادٌ أخبرنا أيُّوبُ عن نَافِعٍ عن ابن عُمَرَ ، قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ. فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ".[24]

ورواية يحي بن سعيد عن عبيدالله عن هذا الموضوع يناقض رواية أبو أسامة عن عبيدالله كما أخبرنا مسلم في صحيحه:

”حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ

و حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا ثَلَاثِينَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ و حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَقَالَ فَاقْدِرُوا لَهُ وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثِينَ."[25]

رواية حماد هذه هي الرواية الوحيدة التي تورد عبارة (اقدروا له ثلاثين) بدلاً من (فاقدروا له) كما ذكرنا سابقاً. والرواية هذه وصلت إلينا عن طريق راو واحد فقط لهذا لا يمكن أن تقف ضد الروايات المتعددة لابن عمر عن نافع (السلسلة الذهبية) كما يسميها علماء الحديث. وقد لاحظ الفقيه الحنبلي الشهير ابن قدامه المقدسي ما يلي:

"وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ : " فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " مُخَالِفَةٌ لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا , وَلِمَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ وَرَأْيِه".ِ[26]

فقد ناقش الفقيه الشافعي المعروف الإمام تاج الدين السبكي هذه المسألة المتعلقة بالحسابات الفلكية وفصّل فيها، ورفض رفضاً تاماً ونهائياً حتى الشهود العدول إذا ما كانت الحسابات الفلكية الصحيحة تنكر احتمال رؤية القمر  فقال: " وَهَهُنَا صُورَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ الْحِسَابُ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِمُقَدَّمَاتٍ قَطْعِيَّةٍ وَيَكُونُ فِي غَايَةِ الْقُرْبِ مِنْ الشَّمْسِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُمْكِنُ فَرْضُ رُؤْيَتِنَا لَهُ حِسًّا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فَلَوْ أَخْبَرَنَا بِهِ مُخْبِرٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ خَبَرُهُ الْكَذِبَ أَوْ الْغَلَطَ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ قَبُولُ هَذَا الْخَبَرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ الْغَلَطِ وَلَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةَ وَالْخَبَرَ ظَنِّيَّانِ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدْت بِهِ مُمْكِنًا حِسًّا وَعَقْلًا وَشَرْعًا فَإِذَا فُرِضَ دَلَالَةُ الْحِسَابِ قَطْعًا عَلَى عَدَمِ الْإِمْكَانِ اسْتَحَالَ الْقَبُولُ شَرْعًا لِاسْتِحَالَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالشَّرْعُ لَا يَأْتِي بِالْمُسْتَحِيلَاتِ".[27]

وكانت حجته الرئيسية أن الحسابات الفلكية دقيقة وحاسمة، بينما في الرؤية البصرية هناك دائماً احتمال للخطأ. لذلك فإن الشريعة لن تفضل الطرق الظنية غير الجازمة على الطرق الدقيقة الحاسمة. وقال بأن الشريعة لم تطلب منا الرؤية البصرية المجردة سواءً كانت صحيحة أم خاطئة، فإننا لا يمكن أن نعتمد في صيامنا على كلام الشهود فقط

_الشريعة لم تطلب ذلك_، فالتأكد من الخبر أمر واجب، وقد رأينا غير مرة كيف يعطي بعض الناس شهادات غير صحيحة، بقصد أو بغير قصد، بسبب نوايا خفية. كما ذكر:

"وَلَمْ يَأْتِ لَنَا نَصٌّ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا وَلَا يَتَرَتَّبُ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَأَحْكَامُ الشَّهْرِ عَلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ أَوْ الشَّهَادَةِ حَتَّى إنَّا نَقُولُ : الْعُمْدَةُ قَوْلُ الشَّارِعِ صُومُوا إذَا أَخْبَرَكُمْ مُخْبِرٌ فَإِنَّهُ لَوْ وَرَدَ ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي الشَّرْعِ بَلْ وَجَبَ عَلَيْنَا التَّبَيُّنُ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ حَتَّى نَعْلَمَ حَقِيقَتَهُ أَوَّلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَشْهَدُ بِالْهِلَالِ قَدْ لَا يَرَاهُ وَيُشْتَبَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَرَى مَا يَظُنُّهُ هِلَالًا وَلَيْسَ بِهِلَالٍ أَوْ تُرِيهِ عَيْنُهُ مَا لَمْ يَرَ أَوْ يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَيَحْصُلُ الْغَلَطُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي رَأَى فِيهَا أَوْ يَكُونُ جَهْلُهُ عَظِيمًا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَعْتَقِدَ فِي حَمْلِهِ النَّاسَ عَلَى الصِّيَامِ أَجْرًا أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ يَقْصِدُ إثْبَاتَ عَدَالَتِهِ فَيَتَّخِذُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى أَنْ يُزَكَّى وَيَصِيرَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْحُكَّامِ , وَكُلُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ قَدْ رَأَيْنَاهَا وَسَمِعْنَاهَا".[28]

فهو ينصح الفقهاء باتخاذ الحسابات الفلكية بعين الاعتبار، وخاصة عندما يشهد الشهود برؤية الهلال في الوقت الذي تثبت فيه الحسابات الفلكية عكس ذلك. كما أنه ينصح بعدم الاكتراث للآراء التي تمنع أو تحرم استخدام الحسابات الفلكية في أمور الدين. وبحسب السبكي فإن الشريعة لم تحرم استخدام  الحسابات الفلكية أبداً.

"فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إذَا جَرَّبَ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ بِخَبَرِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ دَلَالَةَ الْحِسَابِ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَلَا يُثْبِتَ بِهَا وَلَا يَحْكُمَ بِهَا , وَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ فِي بَقَاءِ الشَّهْرِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُحَقَّقٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ , وَلَا نَقُولُ الشَّرْعُ أَلْغَى قَوْلَ الْحِسَابِ مُطْلَقًا".[29]

كان السبكي منتبهاً وحذراً بما فيه الكفاية ليفرق بين الحسابات الفلكية الصحيحة والدقيقة وبين ما يستند إلى الاحتمالات والحدسيات، فهو قد طلب من القضاة الاجتهاد، وخاصة عندما تقطع الحسابات الفلكية بعدم إمكان رؤية الهلال:."وَمَرَاتِبُ مَا يَقُولُهُ الْحِسَابُ فِي ذَلِكَ  مُتَفَاوِتَةٌ مِنْهَا مَا يَقْطَعُونَ بِعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ فَهَذَا لَا رَيْبَ عِنْدَنَا فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِه وَمِنْهَا مَا لَا يَقْطَعُونَ فِيهِ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَكِنْ يَسْتَعِدُّونَ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ فِي حَالِ الشُّهُودِ وَحِدَّةِ بَصَرِهِمْ وَيَرَى أَنَّهُمْ مِنْ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالْكَذِبِ يَتَفَاوَتُ ذَلِكَ تَفَاوُتًا كَبِيرًا وَمَرَاتِبَ كَثِيرَةً فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاجْتِهَادُ وُسْعَ الطَّاقَةِ".[30]

ويقول بأن الحسابات الفلكية أكثر دقة من الرؤية البصرية بالعين المجردة للإنسان، والتي يكون احتمال الخطأ فيها أكبر منه في الحسابات الفلكية." إذَا شَهِدَ عِنْدَنَا اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَجُوزُ كَذِبُهُمَا أَوْ غَلَطُهُمَا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَدْ دَلَّ حِسَابُ تَسْيِيرِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ فِي ذَلِكَ الَّذِي قَالَا : إنَّهُمَا رَأَيَاهُ فِيهِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ فِي الْمَشْهُورِ بِهِ وَتَجْوِيزُ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَجْوِيزِ انْخِرَامِ الْعَادَةِ فَالْمُسْتَحِيلُ الْعَادِيُّ وَالْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ لَا يُقْبَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ وَلَا الشَّهَادَةُ فَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ الْعَادِيُّ".[31]

يعرف الإمام السبكي أن هذه المسألة لم تناقش بتفاصيلها في مذهبه ولا حتى في عصره، لكنه مع ذلك شعر بالارتياح للقول بأن ما ذهب إليه كان استناداً إلى فهمه العميق لهذه المسألة:

"وَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً لَكِنَّا تَفَقَّهْنَا فِيهَا وَهِيَ عِنْدَنَا مِنْ مُحَالِ الْقَطْعِ مُتَرَقِّيَةٌ عَنْ مَرْتَبَةِ الظُّنُونِ".[32]

على ما يبدو فإن السبكي كان سابقاً لعصره، ويبدو أنه قام بمناظرات شديدة مع بعض العلماء بشكل فردي بالنسبة لمسألة الحسابات الفلكية، فهو يعتبر مجتهداً في مذهبه، وقد تضمن كلامه الملاحظات التالية:

"قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الْأَغْمَارِ وَالْجُهَّالِ تَوَقُّفٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَيَسْتَنْكِرُ الرُّجُوعَ إلَى الْحِسَابِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَيَجْمُدُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ يَثْبُتُ , وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا خِطَابَ مَعَهُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَبَصُّرٍ وَالْجَاهِلُ لَا كَلَامَ مَعَهُ".[33]

أما الدكتوريوسف القرضاوي فإنه يتساءل عن ماذا سيكون رأي السبكي بالنسبة للحسابات الفلكية إذا ما علم بالتقدم والتطور الذي وصل إليه هذا العلم في أيامنا هذه:

"فكيف لو عاش السبكى إلى عصرنا هذا ورأى من تقدم علم الفلك ... كما أشرنا إالى بعضه؟"[34]

بعض الفقهاء مثل العبادي وابن دقيق وافقوا السبكي أيضاً فيما ذهب إليه بالنسبة للحسابات الفلكية.

وذكر زكريا بن محمد الأنصاري: " لَكِنْ نَقَلَ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى الْجَلَالِ عَنْ الْعَبَّادِيُّ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بِرُؤْيَتِهِ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِهَا وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَمُخَالَفَةُ ذَلِكَ مُعَانَدَةٌ وَمُكَابَرَةٌ".[35]

وروى القليوبي:

"بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ : إنَّهُ إذَا دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْعَدْلِ لِرُؤْيَتِهِ , وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِهَا انْتَهَى . وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَمُخَالَفَةُ ذَلِكَ مُعَانَدَةٌ وَمُكَابَرَة"ٌ[36]

وذكر ابن حجر العسقلاني أن ابن دقيق العيد قال أنه إذا أثبتت الحسابات الفلكية أن الهلال موجود ويمكن رؤيته لكن الطقس الغائم يحول دون ذلك، ففي هذه الحال يصبح الصوم فرضاً لوجود السبب الشرعي.

"وَأَمَّا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ عَلَى وَجْهٍ يُرَى , لَكِنْ وُجِدَ مَانِعٌ مِنْ رُؤْيَتِهِ كَالْغَيْمِ , فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيّ".ِ[37]

وهذا نص ما قاله ابن دقيق العيد: "وَأَمَّا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ مِنْ الْأُفُقِ عَلَى وَجْهٍ يُرَى , لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ - كَالْغَيْمِ مِثْلًا فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ , لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ . وَلَيْسَ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ بِشَرْطٍ مِنْ اللُّزُومِ ; لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي الْمَطْمُورَةِ إذَا عُلِمَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ , أَوْ بِالِاجْتِهَادِ بِالْأَمَارَاتِ : أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ , وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ . وَلَا أَخْبَرَهُ مَنْ رَآهُ".[38]

حتى أن بعض فقهاء الحنفية مثل محمد بن مقاتل وغيره لم يكتفوا بتبني هذا الرأي فحسب بل عمدوا إلى استشارة علماء الفلك وقبول حساباتهم في تعيين التقويم القمري. يقول ابن عابدين: "قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رحمهم الله لَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ".[39]

وقبل كذلك العالم الحنفي الصوفي المعروف أبو قاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري والمتوفى (465) هجري بالحسابات الفلكية لإثبات شهر رمضان إذا كان الطقس غائماً كفعل ابن دقيق العيد. لكون الطقس الغائم هو السبب الشرعي الحقيقي لقبول الحسابات الفلكية.

 "وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ : " إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ مِنْ الْأُفُقِ عَلَى وَجْهٍ يُرَى لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ كَالْغَيْمِ مَثَلًا , فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ".[40]

أما أحمد أمين بن عمر بن عابدين فقد ذكر الاختلافات في الرأي بين علماء الحنفية حول مسألة الحسابات الفلكية.

"الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِمْ , وَقَدْ حَكَى فِي الْقُنْيَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ, وَصَاحِبِ جَمْعِ الْعُلُومِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ , وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ".[41]

إنه لمن الواضح من خلال المناقشة السابقة أن علماء معروفين ومتخصصين في المدارس الشافعية والحنفية والمالكية قد تبنوا الترخيص والعمل باستخدام الحسابات الفلكية في بعض الأمور مثل إثبات بداية شهر رمضان وخاصة في حالة الطقس الغائم، وكما يبدوا فإن بعض هؤلاء العلماء مثل السبكي قد اعتمدوا استخدام تلك الحسابات لرفض إثبات دخول الشهر  بدلاً من قبوله. فان العلماء ً مثل ابن دقيق العيد ومحمد بن مقاتل الرازي قد سمحوا باستخدام تلك الحسابات للإثبات في حالة الإغمام أي الطقس الغائم.

في الوقت الحاضر، وفي عصرنا هذا، الأشياء تتغير بسرعة، لذلك رأى بعض العلماء المعاصرين مثل الشيخ محمد مصطفى المراغي، والشيخ علي الطنطاوي، وأحمد شاكر، ومصطفى الزرقاء، وشرف القضاة، وغيرهم، رأوا أن علم الفلك وعلم الحسابات الفلكية الحديث قد وصل إلى مستوى من الصحة واليقين لا يحتاج معه إلى الرؤية البصرية للهلال بالعين المجردة. فالشريعة طالبت بالرؤية في الوقت الذي كانت فيه معظم الأمة الإسلامية أمية لا تتقن الفلك والعلوم المتعلقة به وبالحسابات الفلكية، أما وقد وصلنا في أيامنا هذه إلى هذا المستوى من الدقة والصحة فيجب علينا أن نتخذ الحسابات الفلكية وسيلة لإثبات الشهور الإسلامية دون الحاجة إلى اللجوء للرؤية البصرية.  

أضاف الشيخ أحمد شاكر أن الأمر بالاعتماد على الرؤية الباصرة بالعين المجردة فقط هو أمر مشروط، والشرط هو أن الأمة الإسلامية لم تكن تكتب ولا تحسب. ذكر الحافظ ابن حجر ذلك بقوله:

" والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم، أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم. وقيل للعرب اميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة. قال الله تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة. والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير".[42]

على ضوء هذه الحقيقة التاريخية قال أحمد شاكر أنه من القواعد الثابتة في أصول الفقه الإسلامي قاعدة (اقتران السبب بالمسبب) أي اقتران الأمور بعلاتها. فإذا ما كانت الأمة قد خرجت الآن من أميتها وصارت تكتب وتحسب فيجب أن يتبدل الحكم بتبدل الحال.

"لأن الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللاً بعلة منصوصة، وهى أن الأمة (أمية لا تكتب ولا تحسب)، والعلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فإذا خرجت الأمة عن أميتها، وصارت تكتب وتحسب، أعنى صارت فى مجموعها ممن يعرف هذه العلوم، وأمكن للناس _عامتهم وخاصتهم_ أن يصلوا إلى اليقين والقطع فى حساب أول الشهر، وأمكن أن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية أو أقوى... وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت، وأن يأخذوا فى إثبات الأهلة بالحساب وحده، وألا يرجعوا إلى الرؤية  إلا حين يستعصى عليهم العلم به".[43]

وتابع قائلاً أن بداية ولادة القمر هي بداية الشهر.

"وإذا وجب الرجوع إلى الحساب وحده بزوال علة منعه، وجب أيضا الرجوع إلى الحساب الحقيقى للأهلة، وإطراح إمكان الرؤية و عدم إمكانها، فيكون أول الشهر الحقيقي الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس، و لو بلحظة واحدة".[44]

وذكر أن اعتماد الحسابات الفلكية بدلاً عن الرؤية البصرية في إثبات الشهور الإسلامية هو الرأي الفقهي الأصح في وقتنا الحاضر وهو مصداق لنفس الروح النبوية التي وردت في الأحاديث المتعلقة بهذا الشأن.

"ولقد أرى قولى هذا أعدل الأقوال، وأقربها إلى الفقه السليم، و إلى الفهم الصحيح للأحاديث الواردة فى هذا الباب".[45]

وقد خلص الشيخ مصطفى الزرقا بعد مناقشة تفصيلية للموضوع  إلى أنه لا يوجد أي مانع في الشريعة يحظر على المسلمين في وقتنا الحالي قبول الحسابات الفلكية فيقول:

"وما دام من البديهات أن رؤية الهلال الجديد ليست فى ذاتها عبادة فى الإسلام، و إنما هي وسيلة لمعرفة الوقت، وكانت الوسيلة الوحيدة الممكنة فى أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، و كانت أميتها هي العلة فى الأمر بالاعتماد على العين الباصرة، وذلك بنص الحديث النبوي مصدر الحكم، فما الذي يمنع شرعا أن نعتمد الحساب الفلكي اليقيني، الذي يعرفنا مسبقا بموعد حلول الشهر الجديد، ولا يمكن أن يحجب علمنا حينئذ غيم ولا ضباب إلا ضباب العقول؟"[46]

كما وأوضح الدكتور القرضاوي هذه المسألة بعد دراسة وافية لها، وقال أن الدين الإسلامي الذي اتخذ الرؤية البصرية للقمر على أنها الطريقة المعتمدة لإثبات شهر رمضان، من المؤكد أنه سيقبل الحسابات الفلكية كطريقة صحيحة معتمدة، خاصة وأن احتمال الخطأ وارد دائماً في الرؤية البصرية بالعين المجردة، وليس الحال كذلك بالنسبة للدقة التي تتمتع بها الحسابات الفلكية. لذا فإن قبول هذه الحسابات يسير في نفس الاتجاه الذي تسير معه روح الشريعة الإسلامية، والأمة تستطيع أن تتجنب الكثير من المشاكل والأخطاء والاختلاطات باتباعها الحسابات الفلكية. يقول القرضاوي:

"إن الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلة لإثبات الشهور، يجب أن يقبل من باب "قياس الأولى" بمعنى أن السنة التى شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى، لما يحيط بها من الشك والاحتمال - وهي الرؤية - لا ترفض وسيلة أعلى و أكمل و أوفى بتحقيق المقصود، و الخروج بالأمة من الاختلاف الشديد فى تحديد بداية صيامها و فطرها و أضحها... وهي وسيلة الحساب القطعي".[47]

يقول الشيخ فيصل مولوي " أنه لا بد من اعتبار أن دخول شهر رمضان هو السبب الشرعي لوجوب صيامه، إنطلاقاً من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة. أما رؤية الهلال الثابتة في نصوص نبوية أخرى، فهي في التحقيق الشرعي وسيلة مشروعة للتأكد من دخول رمضان، وإذا تعذرت لأي سبب، فإن النص النبوي نفسه أرشدنا إلى أن إكمال العدة هي الوسيلة الأحوط التي تضمن أداء الصيام في أيامه المشروعة. وإذا وُجدت وسيلة أخرى للتأكد من دخول الشهر أكثر يقيناً، فيحسن اعتمادها، وربما وجب المصير إليها إذا كانت ادق في الوصول إلى الهدف المطلوب من رؤية الهلال أو إكمال العدة والأخذ بالاحتياط". [48]

ناقش الدكتور شرف القضاة هذه المسألة وقال أن النصوص التي سمحت باستخدام الحسابات الفلكية كطريقة معتمدة لإثبات الشهور الإسلامية هي في الواقع لم تفرق بين إثبات دخول الشهر أو إنكاره، فهذه النصوص عامة، فقال:

"فالنصوص الشرعية لم تفرق بين النفي و الإثبات في الأخذ بالحساب والتقدير، و بخاصة حديث (فإن غم عليكم فاقدروا له) ففي الحديث أمر بالتقدير لإثبات الشهر، و ليس لنفي الشهادة، و أما علميا فلا فرق في دقة الحساب وقطعيته بين حساب إثبات دخول الشهر، و حساب نفي دخوله.  و هكذا فإن الراجح في عصرنا أن اعتماد التقدير والحساب يكون للنفي والإثبات سواء بسواء".[49] 

أما مصطفى عبد الباسط فقد قال أن الحسابات الفلكية هي المقصودة في الشريعة الإسلامية لكن الرؤية البصرية كانت مستخدمة فيما مضى  بسبب عدم قابلية الأمة في ذلك الوقت لمعرفة الحسابات الفلكية الصحيحة والدقيقة، لهذا فالشهور الإسلامية يجب أن تثبت بالحسابات الفلكية لتفادي وقوع المشاكل والعقبات المرافقة للرؤية البصرية.[50]

 

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.