ضعف الحجة بأن الحسابات الفلكية من سنة اليهود

ضعف الحجة بأن الحسابات الفلكية من سنة اليهود

إن من الأسباب الرئيسية لرفض إثبات وقبول التقويم الإسلامي عن طريق الحسابات الفلكية في رأي العديد من فقهاء المسلمين هو مخالفة اليهود الذين يعتمدون الحسابات الفلكية في تحديد تقويمهم. فقد استدل العديد من علماء السلف والعلماء المعاصرون بحديث الرسول الذي يحث المسلمين على عدم تقليد اليهود، بل مخالفتهم في الكثيرمن الطقوس والشعائر والعادات الدينية.

من المعروف أن اليهود كانوا قد اعتمدوا الحسابات الفلكية في تقويمهم منذ القرن الرابع الميلادي. لهذا فإن الإمام ابن تيمية والعديد من العلماء الآخرين رفضوا استخدام الحسابات الفلكية في تحديد التقويم الإسلامي، لأن في هذا تقليد لبدع اليهود وضلالاتهم.

ويؤكد بعض العلماء المعاصرين أن الرسول كان يعلم ببدع اليهود في إستخدامهم الحسابات الفلكية، وكان يأمر المسلمين بأن لا يتبعوا طريقهم على وجه الخصوص. قال الرسول " نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ". هذه إشارة مباشرة منه للطريقة التي يتبعها اليهود في تقويمهم وفي حساباتهم.

إلا أنه من الأفضل هنا أن نحلل التقويم اليهودي تحليلاً وجيزاً، ونناقشه، ونلقي نظرة على تاريخه لنرى فيما إذا كان  التقويم اليهودي أساسه الحسابات الفلكية القطعية أم الحسابات الرياضية المجردة؛ وذلك للرد على الشبهات التي تؤكد أن التمسك النبوي بالرؤية البصرية هو لعدم تشبه المسلمين باليهود الذين اعتمدوا _حسب زعم البعض_ الحسابات الفلكية وغيروا دين الله بها.

إن الشهر بحسب الكتاب المقدس هو شهر قمري  (12:2  سفر الخروج) وكان اليهود قد اتبعوا حركة القمر منذ القديم كي يعينوا شهورهم وأعيادهم الدينية. وكانت الكنيسة تفرض الرؤية البصرية منذ عهد قديم، وتطلب الشهود العيان لإثبات الشهر الجديد، وكانوا يكملون الشهر ثلاثين يوماً إذا لم يتقدم أي شاهد في اليوم التاسع والعشرين من الشهر. كما ورد في التلمود أن بداية الشهر كانت تعين عندما يظهر القمر الجديد. ويذكر ذلك الحاخامات، فإن شوهد الهلال في اليوم الثلاثين من الشهر المنصرم يكون الشهر فعلياً تسعاً وعشرين يوماً، ويسمى شهراً ناقصاً. أما إذا لم تعلن أي شهادة في اليوم الثلاثين فإن ذلك اليوم يعتبر من أيام الشهر المنصرم ويسمى الشهر حينها شهراً كاملاً، ويعتبر اليوم التالي هو أول أيام الشهر الجديد.

إن الكتاب المقدس، وكتب الفقه اليهودية مثل التلمود والمشنا، _و هي الكتب الفقهية الرئيسية المعتمدة عند اليهود_ تحرم على أي يهودي القيام بأي عمل يوم السبت، بل إنها تحدد عقوبة القتل لكل من يقوم بأي عمل من الأعمال يوم السبت. وقد ورد هذا القول في الكتاب المقدس مراراً وتكراراً، وذلك أن الله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً قد خلق السماوات بزعمهم في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع فوجب على العباد أن يستريحوا مثله (تعالى الله عما يصفون) ويقلدوا عمل الإله. لكن الربانيين سمحوا بالخروج ليلة السبت لرؤية الهلال لأنهم قالوا أن هذا العمل _أي رؤية الهلال_ أمر ديني مطلوب وليس معصية لأوامر الإله ففيه رخصة ولا يعتبر عصياناً لأحكام السبت المذكورة. وحاخامات اليهود كانوا يطالبون بالرؤية البصرية المجردة لإثبات الشهر حتى القرن الرابع قبل الميلاد. لقد سمحوا بالتعدي على حرمة يوم السبت وذلك لمراقبة الهلال بالرؤية البصرية للعين المجردة، وكانت هناك محكمة يهودية شرعية خاصة تتكون من أحبار اليهود، هي التي كان يعود إليها أمر قبول الشهود وإعلان بداية الشهر الجديد.

الحبر جماليل الثاني (80-116) كان يستقبل شهادات الشهود بنفسه، ثم بعد ذلك بدأ الحاخامات باستخدام الحسابات الفلكية لإنكار أو إثبات الشهور.

وفي عهد البطريارك يهوذا الثالث (300-330) تحولت الشهادات _التي كانت تُطلب لاثبات ظهور القمر الجديد_ إلى مجرد شكليات، ولكن عملياً إثبات دخول الشهر الجديد كان يتم من خلال الحسابات الفلكية. هذه البدعة في إثبات الشهر يبدو أنها كانت غير مقبولة عند بعض حاخامات اليهود مثل رابي يوشع الذي كتب كتابا إلى الجالية اليهودية البابلية والإسكندرانية، فطالبهم باتباع عادات وتقاليد الآباء والسلف في الرؤية البصرية، والإبقاء على الاحتفال بالعيد في يومين. وإثبات الشهر بالرؤية المجردة كان متبعاً من قبل الجالية اليهودية من القرون قبل الميلادية ومازال متبعاً عند الفرق اليهودية المتطرفة المسماة بالأرتودوكسية.

هناك مشكلتان عمليتان ظهرتا من اعتماد اليهود على الرؤية البصرية؛ المشلكة الأولى تبرز لنا من خلال حقيقة أن الكتاب المقدس ربط أعياد اليهود واحتفالاتهم بالفصول وبمواسم الحصاد؛ حيث أن بعض الأعياد وتبعاً للتقويم القمري قد تأتي في الخريف وقد تأتي في الشتاء أي في الفصل الخطأ، حيث يكون القمح والفواكه التي يراد الاحتفال بحصادها غير ناضجة بعد. لذلك اضطر أحبار اليهود إلى زيادة عدّة الشهر إلى واحد وثلاثين يوماً والسنة إلى 13  شهراً لتفادي وقوع المواسم والاحتفالات الدينية في الوقت الخطأ.

الموسوعة اليهودية تشرح ذلك بوضوح.

لقد أعطى مفسروا التلمود عدة تفسيرات للزيادة التي يضيفونها على السنة، وقالوا أن السنة الشمسية مكونة من 365 يوماً وربع اليوم، فهم قسموا السنة أربعة أقسام متساوية كل قسم يحوي 91 يوماً و7 ساعات ونصف الساعة، وأعطوا لهذه الأقسام أسماء الفصول، تبدأ في نيسان، تموز، تشرين، الخريف. فهذه هي الفصول الأربعة المشهورة. أما السنة القمرية فهي مكونة من 354 يوماً، والكتاب المقدس يطالب باستخدام السنة القمرية، وفي نفس الوقت يربط الأعياد الدينية بالفصول الزراعية المتعلقة بالسنة الشمسية، فحتى يوفق الأحبار بين استخدام السنة القمرية وتعيين أعيادهم تبعاً للسنة الشمسية قاموا بإضافة وزيادة عدة أيام للسنة القمرية كل سنتين إلى ثلاث سنوات.[1]

المشكلة الثانية: أن الجالية اليهودية في البلاد المسيحية الرومانية كانوا يعانون من الاضطهاد الشديد لاتهام النصارى إياهم بقتلهم المسيح، لذلك كان اليهود محرومون من الاحتفال باعيادهم الدينية، مما جعل علماء اليهود يقرروا أن يغيروا التقويم من القمري البحت الى الخلط بين القمري والشمسي حتى توافق أعيادهم أعايد النصارى وإجازتهم الرسمية فيمكن لهم  حينئذ الاحتفال بها خفية.

وعلى هذا فإننا نفهم أن السنة اليهودية هي مزيج من السنة القمرية والسنة الشمسية، وليست سنة قمرية خالصة.

كما أن اليهود في تقويمهم السنوي لا يتبعون ولادة القمر في الأفق، ولا يتبعون كذلك الحسابات الفلكية الدقيقة؛ إنما هم يتبعون الحسابات الرياضية البحتة كي يوافقوا بين السنة القمرية والسنة الشمسية، فيحوّلون بذلك السنة القمرية من 354 يوماً إلى مايعادل السنة الشمسية 365 يوم؛ وذلك بإضافة يوم أو يومين الى الشهر القمري فيصبح 30 أو 31 يوماً، وإضافة شهر الى السنة القمرية كل بضعة سنوات فتصبح السنة القمرية بذلك 13 شهراً بدل 12 شهراً، فتتداخل الشهور ببعضها وتختلط إلى أن تصل في بعض الأحيان إلى دخول الشهر كلية في شهر آخر أو حتى في شهور أخرى.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الموضوع في سورة التوبة من خلال الآيات الكريمة التالية:

"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين(36)إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين". ( التوبة:37 )

يقول القرطبي:

"وسبب ذلك أن العرب كانت أصحاب حروب وغارات فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغيرون فيها، وقالوا: لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نصيب فيها شيئا لنهلكن. فكانوا إذا صدروا عن منى يقوم من بني كنانة، ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس، فيقول أنا الذي لا يرد لي قضاء. فيقولون: أنسئنا شهرا، أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر، فيحل لهم المحرم. فكانوا كذلك شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السنة كلها."[2]

إن الآيات السابقة تتكلم عن المشركين الذين كانوا يزيدون ويغيرون في بعض الشهور والسنوات إقتداءا باليهود  كما ذكر أغلب المفسرين؛ حيث كان المشركون يؤجلون بعض الشهور ويبدّلون أسماءها، وذلك لكي تتناسب مع مصالحهم السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية. يقول الإمام الرازي:

"إن القوم علموا أنهم لو رتبوا حسابهم على السنة القمرية ، فإنه يقع حجهم تارة في الصيف وتارة في الشتاء ، وكان يشق عليهم الأسفار ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات ، لأن سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلا في الأوقات اللائقة الموافقة ، فعلموا أن بناء الأمر على رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا ، فتركوا ذلك واعتبروا السنة الشمسية ، ولما كانت السنة الشمسية زائدة على السنة القمرية بمقدار معين ، احتاجوا إلى الكبيسة وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة أمران : أحدهما : أنهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهراً بسبب اجتماع تلك الزيادات . والثاني : أنه كان ينتقل الحج من بعض الشهور القمرية إلى غيره ، فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة وبعده في المحرم وبعده في صفر"[3]

إلاّ أنّ القرآن أنكر بشدة هذا التلاعب كما يخبرنا الرازي:

"فلهذا السبب عاب الله عليهم وجعله سبباً لزيادة كفرهم ، وإنما كان ذلك سبباً لزيادة الكفر ، لأن الله تعالى أمرهم بإيقاع الحج في الأشهر الحرم ، ثم إنهم بسبب هذه الكبيسة أوقعوه في غير هذه الأشهر"[4]

وكما قال الله: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ( البقرة:189)

أي أن أشهر الحج المعلومات لا بد وأن تعرف بالأهلة كما يذكره القرطبي: " أفرد سبحانه الحج بالذكر لانه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت، وأنه لا يجوز النسئ فيه عن وقته، بخلاف ما رأته العرب، فإنها كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور، فأبطل الله قولهم وفعلهم"[5]

وأدار الله الزمان لتعود الشهور إلى بداياتها الحقيقية، فتتوافق بداية الشهر مع الهلال أو القمر الجديد، فعاد الزمان إلى هيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. وقد أكد الرسول هذه الحقيقة صراحة في خطبة الوداع فقال:

"ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة إثنا عشر شهراً » وأراد أن الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها" [6]

يقول القرطبي:

"فقام الاسلام وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله فيه. وهذا معنى قوله عليه السلام: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض). وقال مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجة أبي بكر التي حجها قبل حجة الوداع ذا القعدة من السنة التاسعة."[7]

فالشهور اللإسلامية متعلقة بالهلال و رؤية الهلال علامة على دخول الشهر و ليست سببا لدخوله.

 

- الموسوعة اليهودية, مادة "تاريخ التقويم" [1]

- القرطبي, التفسير, ج.8, ص.136[2]

[3]-  الرازي, التفسير, ج.8، ص.20.

[4]- الرازي، التفسير, ج.8، ص.21.

- القرطبي, التفسير, ج.2, ص.341[5]

[6] - الرازي, التفسير, ج.8، ص.21.

- القرطبي, التفسير, ج.8, ص.136[7]

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.