ضعف القول بالإكمال ثلاثين يوماً 1

ضعف القول بالإكمال ثلاثين يوماً

إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً في الطقس الغائم متفق عليه عند غالبيالأمةة العلماء. ولكن مرة أخرى: هذا ليس هو الموقف القطعي الوحيد الذي تعتمد عليه؛ فبعض الأئمة مثل ابن عمر، والإمام أحمد، وآخرون كانوا لا يُتمّون عدة شعبان ثلاثين في الطقس الغائم، بل يبدؤون شهر رمضان بعد إتمام تسع وعشرين من شعبان، مع أن معظم الروايات عن النبي قد تكررت فيها عبارة "فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".

كما أنه مما يثير الانتباه والاستغراب في آن أن ابن عمر هو ذاته الراوي الذي يروى معظم الأحاديث النبوية الصحيحة مثل " لا تَصوموا حتّى تَرَوُا الهلالَ، ولا تُفْطِرُوا حتّى تَرَوْه، فإِن غُمَّ عليكم فاقدُروا له"

وفي الواقع أن الصورة تتغير تماماً عندما نغوص في تفاصيل الموضوع، وعندما نحلل تلك الأحاديث النبوية تحليلاً دقيقاً. في ما يلي سأعرض بعض هذه الروايات محاولةً مني لإثبات أنه حتى في ذلك الوقت _وقت الصحابة_ لم يكن هناك إجماع على إكمال العدة.

فنلاحظ أن هناك عدد من الصعوبات الواردة في جزئية إكمال العدة في تلك الأحاديث. هذه الصعوبات لا يمكن فهمها وتقديرها إلا عندما ندرس الأحاديث النبوية بعمق ونحللها ونقارن بين نهاياتها.

"حدّثنا آدمُ حدَّثَنا شُعبةُ حدَّثَنا محمدُ بنُ زيادٍ قال: سمعتُ أبا هُريرةَ رضيَ اللّهُ عنهُ يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ـ أو قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ـ «صُوموا لِرُؤْيتهِ وأفطِروا لرُؤيته، فإن غُبِّيّ عليكم فأكملوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثين».[1]

"وحدّثنا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ».[2]

من المناسب ملاحظة أن بداية هذه الأحاديث السالفة الذكر هي ذاتها بداية كل الأحاديث الأخرى المتعلقة بالصيام تقريباً. ولكن هذه الأحاديث المتفقة في بداياتها مختلفة في نهاياتها، وذلك في القسم المتعلق بإكمال العدة، فعلى ما يبدو أن الرواة بطريقة أو بأخرى قد أضافوا شروحهم إلى الأحاديث، ولم يكتفوا بالتوقف عند الكلمات التي أنهى النبي بها حديثه. مع الأخذ بعين الإعتبار أن بعض هذه الأحاديث ليست أحاديث صحيحة كما يُعتقد.

كما أنه من المهم ملاحظة  أن كلاً من الحديثين الواردين في الإستدلال السابق روي في البخاري ومسلم عن طريق أبي هريرة عن محمد بن زياد. وأن المقطع الأول من الحديث هو نفسه في الروايتين، أما المقطع الأخير فمختلف.

نرى أن رواية البخاري: فإن غُبِّيّ عليكم فأكملوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثين». أما رواية مسلم: فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلاَثِينَ»".

 فنلاحظ هنا:

 أولاً:  أن الفعل الذي ورد في رواية البخاري غُبِّيّ عليكم  بينما الفعل الذي ورد في رواية مسلم هو

غُمِّيَ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ وهو مختلف قليلاً في المعنى.

ثانياً: روى البخاري: "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"  وروى مسلم: "فعدوا ثلاثين" دون استخدام العبارة الواردة في رواية البخاري والتي تنبه إلى الإكمال ثلاثين لشهر شعبان. بالإضافة إلى أن بعض هذه الأحاديث تقول بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، بينما بعضها الآخر يقول بإكمال عدة شهر رمضان أيضاً.

روى الإمام أحمد عدداً من هذه الأحاديث: 

"حدثنا عبد الله حدَّثني أبي ثنا إسماعيل أنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبينه سحاب فكمِّلوا العدة ثلاثين ، ولا تستقبلوا الشهر إستقبالاً » . قال حاتم : يعني عدة شعبان".[3]

يبدوا أن حاتماً قد ذكر فهمه للحديث هنا أيضاً.

"حدثنا عبد الله حدَّثني أبي ثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حال دونه غيابة فأكملوا العدة ، والشهر تسع وعشرون ـ يعني : إنه ناقص".[4]

من اللطيف هنا ملاحظة أن كلا الحديثين المذكورين آنفاً رويا عن طريق ابن عباس. كما أنه من الجدير بالذكر أن الإمام أحمد أورد سلسلة الرواة ذاتها من سماك وعكرمة ولكن مرة أخرى النهايات مختلفة؛ القسم الأخير مختلف تماماً. فالقسم الأخير من الحديث الأول هو "فإن حال بينكم و بينه سحاب فكمِّلوا العدة ثلاثين و لا تستقبلوا الشهر استقبالاً". قال حاتم : يعني عدة شعبان[5]

بينما القسم الأخير من الحديث الثاني هو: "فإن حال دون غيابة فأكملوا العدة، و الشهر تسع وعشرون_ يعني: إنه ناقص". في كلا الحديثين السابقين نجد أن الراوي يشرح الكلام بقوله "يعني" .

"حدّثنا عبد الله ، حدَّثني أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي قال: ثنا الحجاج ، عن عطاء ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم الشهر، فأكملوا العدة ثلاثين".[6]

"حدّثنا عبد الله ، حدَّثني أبي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة قال: ثنا محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا العدة ثلاثين".[7]

"حدَّثنا عبد الله ، حدَّثني أبي ، حدثنا حجاج قال: حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ـ أو قال: أبو القاسم عليه الصلاة والسلام: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فعدوا ثلاثين".[8]

هذه الأحاديث الثلاثة وردت عند الإمام أحمد عن أبي هريرة، إثنان منها عن طريق محمد ين زياد والآخر عن طريق عطا.

مهم أن نلاحظ هنا: أن القسم الأخير في هذه الروايات الثلاثة مختلف أيضاً عما جاء به البخاري الذي أورد حديثه عن أبي هريرة عن محمد بن زياد. فإن رواية البخاري هي فإن غُبِّيّ عليكم فأكملوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثين.  الفعل (غبي) بدلاً من الفعل (غم) وأيضاً عبارة "أكملوا عدة شعبان ثلاثين "بدلاً من رواية أحمد التي تقول: "أكملوا العدة ثلاثين "أو" فعدوا ثلاثين ".

إضافة إلى ذلك فإن هذه الروايات الثلاث السابقة والتي هي روايات أحمد عن أبي هريرة تحمل بعض الإختلافات،

ففي الحديث الأول والثاني نجد عبارة "فأكملوا العدة ثلاثين" هي أمر من النبي. ونجد أن الحديث الأول يقول:"فإن غم عليكم الشهر" بينما الحديث الثاني يقول: "فإن غم عليكم".

وفي الفرق بين الحديثين الثاني والثالث نجد أن الحديث الثاني يأتي بعبارة: "فأكملوا العدة ثلاثين" بينما الحديث الثالث يأتي بعبارة: "فعدوا ثلاثين" في نفس الوقت الذي تأتي عبارة "فإن غم عليكم" في كلا الحديثين.

حدّثنا عبد الله ، حدَّثني أبي ، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد قال: حدَّثني أبي ، قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال، وقال: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم، فعدوا ثلاثين». شعبة، وأكثر علمي أنه قال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال[9].

إن ملاحظة شعبة قد جاءت في نهاية الحديث، ومن غير الواضح ما المقصود بقوله عندما قال: "وأكثر علمي أنه قال لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه". فما قصده بقول (أنه قال)؟!، هل المقصود أن النبي هو الذي قال، أم أن محمداً بن زياد هو الذي (قال)، أو ربما هو أبو هريرة؟ ونعتقد أن شعبة في ملاحظته (وأكثر علمي أنه قال لا تصوموا حتى تروه...) كان واعياً للإختلاف بين الروايات المتنوعة في القسم الأخير منها.

إذاً فعَود على بَدء، كما قلنا سابقاً أن القسم الأول من الأحاديث لا خلاف فيه سواء بورود صيغة النفي أو الإيجاب. بينما القسم الأخير هو الذي عليه الخلاف. ومعظم الروايات والكلمات الواردة في هذا الجزء من الحديث تختلف عن رواية البخاري وتتفق مع روايه مسلم.

الأحاديث التالية ستبين أيضاً بعض التنوعات والإختلافات في متون هذه الأحاديث.

"قال عبد الله: وجدت هذين الحديثين في كتاب أبي بخط يده قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا الشهر ـ يعني رمضان ـ بيوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين، ثم أفطروا".[10]

إستخدام عبارة (يعني رمضان) في الرواية السابقة تدل على أن الراوي كان يشرح شيئاً، أو يقدم فهمه الشخصي للموضوع، وأنه لم يقتصرفقط على نقل حديث الرسول كما هو. إضافة إلى ذلك نجد أن هذه الرواية تضيف وجوب إكمال أو عد شهر رمضان ثلاثين يوماً. هذا الذي ما وجدناه وارداً في الأحاديث السابقة.

"حدّثنا عبد الله حدّثني أبي ثنا إسحاق بن عيسى أنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزَّ وجلَّ جعل هذه الأهلة مواقيت للناس، صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا العدة".[11]

"حدّثنا عبد الله ، حدَّثني أبي ، حدثنا يحيى ، عن شعبة ، قال: حدثنا محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، وإن غم عليكم، فأكملوا العدة ثلاثين".[12]

"حدّثنا عبدالله حدَّثني أبي حدثنا يحيى بن زكريا قال: أنبانا حجاج عن حسين بن الحارث الجدلي قال: «خطب عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب في اليوم الذي يشك فيه، فقال: ألا أني قد جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم، ألا وأنهم حدَّثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، وإن تشكوا لها فإن غم عليكم فأتموا الثلاثين، وإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا".[13]

في هذه الأحاديث نرى أن هناك العديد من القضايا الإضافية المذكورة. فهي تتعرض لموضوع صيام يوم الشك مستخدمة فعل (وإن تشكو لها). وبدلاً من استخدام فعل (أكملوا أو عدوا) استخدمت الأحاديث فعل (أتموا).

وأخيراً تتحول الأمور إلى نقاش فقهي حول عدد الشهود المطلوب _ واحد أم اثنان _.

 فمثلا في رواية زيد بن الخطاب يذكر أن المطلوب شاهدين إثنين كما يرى الإمام مالك، بدلاً من شاهد واحد.

أما في حديث عبد الرحمن بن زياد فإننا نلاحظ أنه لم يذكر اسم الصحابي الذي روى عنه بل اكتفى بأن قال أنه سمع هذا الحديث من أحد الصحابة.

"حدّثنا عبد الله ، حدَّثني أبي ، حدثنا حماد ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبانا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة ، يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «صوموا الهلال لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين".[14]

من الأهمية بمكان ملاحظة أن ابن زياد روى عن أبي هريرة أيضاً وبنفس السلسلة التي ذكرت سابقاً في رواية البخاري، لكن متن الحديث ليس واحداً بالضبط؛ هذا الحديث أضاف كلمة (الهلال) قبل كلمة (لرؤيته). واستخدم عبارة (غم عليكم) بدلاً من (غبي عليكم). وأخيراً استخدم فعل (عدوا ثلاثين) بدل (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) الواردة في رواية البخاري. كما أنه مختلف عن رواية مسلم كذلك، حيث ذكر كلمة (الهلال) قبل (لرؤيته)، وكلمة الهلال هذه لم ترد في رواية مسلم، الأمر الثاني هو استخدام عبارة (غم عليكم) بدلاً من عبارة مسلم (غمي عليكم الشهر). 

"حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي حدثنا سليمان بن داود الطيالسي ـ أبو داود ـ أنبانا عمران عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ـ يعني ـ «صوموا الهلال لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غمّ عليكم، فأكملوا العدة ثلاثين، والشهر هكذا وهكذا، وهكذا، وعقد".[15]

واستخدامه كلمة (يعني) في هذا المقام تدل على أن راوي الحديث لا يروي الكلمات الأصلية من الراوي الحقيقي للحديث، حيث يبدو أن هذه الرواية قد تغيرت نوعاً ما عن الرواية الأصلية. كما أن هذه الرواية أضافت: (والشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد)

"حدثنا أبو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن محمدِ بنِ عَمْروٍ عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ ، قال: قال النبيُّ «لا تَقَدمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ ولا بِيَوْمَيْنِ إلا أنْ يُوَافِقَ ذلِكَ صَوْماً كانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُم. صُومُوا لِرُؤْيتِهِ وأَفْطِرُوا لِرُؤْيتِهِ فإِن غُمَّ عَلَيْكُم فعُدُّوا ثلاثينَ ثُمَّ أفْطِرُوا

قال: وفي البابِ عن بعضِ أصحابِ النبيِّ (أخبرنا مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ عن رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ عن بعضِ أصحابِ النبيِّ عَنِ النَّبيِّ بِنَحْوِ هذا.

قال أبو عيسى: حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. والعملُ على هذا عِنْدَ أهلِ العلمِ: كَرِهُوا أن يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شهْرِ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ وإنْ كانَ رَجُلٌ يَصُومُ صَوْماً فَوَافَقَ صِيَامُهُ ذلِكَ فلا بأسَ به عندَهُم". [16]

نجد في هذا الحديث التأكيد على إتمام عدة رمضان ثلاثين يوماً بدلاً من إكمال عدة شعبان والتي وردت عند غالبية الرواة، كما نجد أيضاً أن الحديث يتطرق إلى قضية صيام يوم الشك حلال هي أم حرام.

"حدثنا قُتَيْبَةُ ، حدثنا أبو الأحْوَصِ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ ، قال: قال رسولُ الله «لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فإنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَابَةٌ فأكْمِلُوا ثلاثين يَوْماً

وفي البابِ عن أبي هريرةَ وأبي بَكْرَةَ وابنِ عُمَرَ.

قال أبو عيسى: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ عنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْه".[17]ٍ

"حدّثنا عبدُاللَّهِ بنُ سعيدٍ ثَنَا إسماعيلُ بنُ عليةَ ، ثَنَا حاتمُ بنُ أبي صغيرةَ ، عن سماكِ بنِ حربٍ ، قالَ: أصبحتُ في يومٍ قد أشكلَ عليَّ من شعبانَ أو من شهرِ رمضانَ، فأصبحتُ صائماً فأتيتُ عكرمةَ فإذا هوَ يأكُلُ خبزاً وبقلاً، فقالَ: هلمَّ إلى الغداءِ فقلتُ: إني صائمٌ فقالَ: أُقْسِمُ باللَّهِ لَتُفْطِرَنَّ، فلما رأيتُهُ حلفَ ولا يستثني تقدَّمْتُ فعذّرت وإنما تسحرتُ قبيلَ ذَلِكَ ثُمَّ قلتُ هاتِ الآنَ ما عندَكَ فقالَ: حدَّثَنَا ابنُ عباسٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيتهِ وأَفطِروا لرؤيتِهِ، فإنْ حالَ بينَكُم وبينَهُ سحابٌ فكمّلوا العدةَ ثلاثينَ، ولا تستقبلوا الشهرَ استقبالاً».[18]

"حدثنا مُحمَّدُ بنُ الصَّباحِ الْبَزَّازُ أخبرنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضَّبِّيُّ عنْ مَنْصُورٍ بن المُعْتَمَرِ عن رِبْعيِّ بن حِراشٍ عن حُذَيْفَةَ ، قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» . قالَ أَبُو دَاوُدَ: «رَوَاهُ سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ عن مَنْصُورٍ عن رَبِعْيِّ عن رَجُلٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُسَمِّ حُذَيْفَةَ".[19]

"حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ أخبرنا حُسَيْنٌ عن زَائِدَةَ عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابن عَبَّاسٍ ، قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ إلاَّ أن يَكُونَ شَيْءٌ يَصُومُهُ أحَدُكُمْ وَلا تَصُومُوا حتى تَرَوْهُ ثُمَّ صُومُوا حتَّى تَرَوْهُ، فَإنْ حَال دُونَهُ غَمَامَةٌ فَأَتِمَّوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ. ثُمَّ أفْطِرُوا وَالشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» . قالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ حاتِمُ بنُ أبي صَغِيرَةَ وَشُعْبَةُ وَالْحَسَنُ بنُ صالِحٍ عن سِمَاكٍ بِمَعْنَاهُ لَمْ يَقُولوا ثُمَّ أفْطِرُوا. قالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهُو حاتِمُ بنُ مُسْلِمِ بنِ أبِي صَغِيرَةَ وَأبُو صَغِيرَةَ زَوْجُ أُمِّهِ".[20]

إنه من الواضح في الروايات السابقة أن عدداً من الإضافات قد أضيفت إلى الروايات التي تعود إلى نفس الصحابة في نفس السلسلة (سلسلة الإسناد). كل هذه الروايات تتفق على الدلالة السلبية والإيجابية لعبارة (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، ومن ناحية أخرى فإن هناك إختلافات شديدة في الروايات؛ فبعض الرواة ليسوا متأكدين من اسم الصحابة أو على الأقل لم يذكروا أسماء بعضهم كمثل حديث حذيفة في الحديث السابق في الدرامي.

"أخبرنا الحسينُ بنُ إدريس الأنصاريُّ ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ ، قال: حدَّثنا جريرٌ ، عن منصورٍ ، عَنْ ربعيِّ بنِ حِراشٍ عن حذيفةَ ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه «لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حتَّى تَرَوُا الهِلالَ، أو تُكمِلُوا العِدَّةَ، ثُمَّ صُوموا حتَّى تَرَوُا الهِلَال أو تُكْمِلُوا العِدَّةَ».[21]

"وأخبرنا أبو علي الرُّوْذَبَارِيُّ أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داودَ حدثنا الحسن بن علي ثنا حسين عن زائدة عن سِمَاكٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عباسٍ قالَ: قالَ رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقَدَّمُوا الشهرَ بصيامِ يومٍ ولا يومينِ، إلاَّ أَنْ يكونَ شيئاً يصومُهُ أحدُكُمْ، ولا تصومُوا حتَّى تَرَوْهُ، ثم صومُوا حتَّى تَروهُ، فإنْ حالَ دونَهُ غمامَةٌ، فأتِمُّوه العِدَّةَ ثلاثينَ ثم أَفْطِرُوا ثم أَفْطِرُوا، الشهرُ تِسع وعشرونَ».

قال أبو داودَ: ورواه حاتمُ بنُ أبِي صَغِيْرَةَ وشعبةُ والحسنُ بن صالح عن سِمَاكٍ بمعناهُ لم يقولوا: «ثم افطروا.

(قال الشيخ) ورواه أبو عَوَانَةَ عن سِمَاكٍ مختصراً فَجَعَلَ إكْمَالَ العِدَّةِ لشعبانَ".[22]

لقد قمت بذكر كثير من الأحاديث المتعلقة بالمسألة موضوع البحث والتي وردت في كتب الأحاديث المعروفة، كما أشرت إلى التنوعات والإختلافات بين الروايات المختلفة. يتضح من خلال هذه الأحاديث ماأوردناه سابقاً من التوافقات لبدايات الأحاديث والإختلافات في نهاياتها أو في المقاطع الأخيرة منها "فإن غم عليكم"، حيث نرى مرة أخرى أن هذه الإختلافات تقع حتى في الأحاديث المروية بالسند الواحد وبالرواية الواحدة.

لهذا وكما يقول الدكتور أحمد شفاعت فإنه من المحتمل أن يكون الإختلاف في المقطع الأخير من هذه الأحاديث يعود إلى أن الرواة كانوا قد أضافوا كلامهم الشخصي لتوضيح الحديث أو لعرض فهمهم الخاص له، ولم يكتفوا فقط بنقل الرواية صافية بالضبط كما قالها النبي (ص). [23]

 كذلك ذكرالدكتور أن الاختلاف في أحاديث البخاري في هذا الباب وخاصة المروية عن ابن عمر هو نتيجة بعض الإضافات أو التبديلات التي طرأت على هذه الأحاديث قبل وصولها إلى الإمام البخاري.

على أنه يجب التوضيح هنا أن هذه الإضافات الواردة قد جاءت بقصد التوضيح وليس بقصد التحريف أو التبديل في كلام النبي. ذلك بأن هؤلاء العلماء الأجلاء فوق كل شك، اذاً فهو تغيير غير مقصود

 

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.