ضعف القول بالإكمال ثلاثين يوماً 2

نعود إلى موضوع الإكمال؛ إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً أو إكمال عدة رمضان ثلاثين في حالة الطقس الغائم أو في حالة عدم وضوح الرؤية. فإن جمهور العلماء يرى أن هناك فقط أسلوبان صحيحان للتأكد من صحة الشهور الإسلامية، وهما إما الرؤية البصرية وإما إكمال العدة .

دعونا نذكر هنا أن القسم المتعلق بالرؤية البصرية في الأحاديث الواردة في الباب متفق عليه سواءً ورد بصيغته السلبية أم الإيجابية. بينما القسم الأخير والمتعلق بإكمال عدة الشهر هو الذي يدور حوله قسم كبير من الخلاف كما رأينا. على أن هذه الروايات المختلفة هي نفسها القاعدة التي اعتمد عليها جمهور العلماء لتفسير وتحديد معنى (فاقدوا له) في رواية ابن عمر كما سنرى في الصفحات القادمات. فقد فسر الفقهاء عبارة (فإن غم عليكم فاقدوا له) الواردة في رواية ابن عمر أن معناها عدوا له ثلاثين يوماً وليس معناها عدوا واحسبوا، وهو المعنى الحرفي الذي يظهر في الرواية. وهذا ما قاله الإمام النووي:

"وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ : فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ , وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ فَاقْدُرُوا لَهُ الْمُطْلَقَةِ".[25]

من الواجب هنا لفت الأنظار إلى أنه ليس هناك إجماع بين الفقهاء على تفسير عبارة (فاقدروا له). حيث نجد أن الإمام أحمد فسر هذه العبارة بقوله: "معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب".

"{فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ : مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ".[26]

وذكر الإمام النووي بنفسه أن الإمام أحمد وبعض العلماء الآخرين قالوا بأن المعنى ليس الإكمال إلى الثلاثين بل المعنى هو التضييق أو التقليل واعتبار الشهر تسع وعشرون يوماً، وبأن القمر قد ولد ولكن مغطى بالغمام. لذلك أكد الإمام أحمد أن رمضان في حالة الإغمام وعدم وضوح الرؤية يجب أن يكون بعد اليوم التاسع والعشرين من شعبان. فنرى هنا أنه بالنسبة للإمام أحمد فإن تضييق شعبان واعتباره تسع وعشرين يوماً في حالة عدم وضوح الرؤية هو المقصود بقول النبي: "فاقدروا له". وقد ذكر ابن داوود أن هذا كان فعل ابن عمر نفسه اعتمادا تفسيره عبارة (فاقدوا له).

"حدثنا سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ أخبرنا حَمَّادٌ أخبرنا أيُّوبُ عن نَافِعٍ عن ابن عُمَرَ ، قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ. فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ. قالَ: فَكَانَ ابنُ عُمَرَ إذَا كان شَعْبَانُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ فَإن رُئِيَ فَذَاكَ وَإن لَم يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُون مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلاَ قَتَرَةٌ أصْبَحَ مُفْطِراً، فَإنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أوْ قَتَرَةٌ أصْبَحَ صَائِماً. قال وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلاَ يَأْخُذُ بِهذَا الحِسَابِ".[27]

كذلك روى البيهقي:

"أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن يعقوبَ هو الشَّيْبَانِيُّ ثنا محمد بن شَاذَانَ الأَصَمُّ ثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ ثنا إسمعيلُ عن أيوبَ (ح وأخبرنا) أبو الحسن علي بن محمد المقرىءُ أنبأ الحسن بن محمد بن إسحاقَ ثنا يوسفَ بنُ يعقوبَ ثنا سليمانُ بن حرب ثنا حماد بن زيد عن أيوبَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وعشرونَ فلا تَصُوْمِوا حتَّى تَرَوْهُ ولا تُفْطْرُوا حتَّى تَرَوْهُ، فإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقْدِرُوا لَهُ».

زاد حماد في روايتهِ عن أيوبَ: قالَ نافعٌ: كانَ ابنُ عُمَرَ إذَا مَضَى من شعبانَ تِسْعٌ وعشرونَ نُظِرَ لَهُ فإنْ رُبْيَ فداكَ، وإنْ لم يُرَ ولم يَحُلْ دُوْنَ مَنْظَرِهِ سحبٌ ولا قَتَرَةٌ أصْبَحَ مُفْطِراً، وإن حالَ دُوْنَ مَنْظَرِهِ سحابٌ أو قَتَرَةٌ أصْبَحَ صائماً، وكانَ يُفْطِرُ معَ الناسِ ولا يَأْخُذُ بِهَذَا الحسابِ، قالَ: وقالَ ابنُ عَوْنٍ: ذَكَرْتُ فِعَلَ ابنِ عُمَرَ لمحمدِ بنِ سيرينَ فلم يَعْجِبْهُ. أخرجه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن إسمعيل ابنِ عَلَيَّةَ دونَ فِعْلِ ابنِ عُمَر."[28]

إن هذه الرواية على درجة من الأهمية وذلك لعدة اعتبارات:

أولاً: هذا يدل على أن ابن عمر نفسه لم يعتمد على الإكمال، فعلى ما يبدو أن بعض الفقهاء فسروا عبارة (ولا يأخذ بهذا الحساب) بمعنى أن ابن عمر لم يعتمد على العد والحساب. هذا التفسير غير صحيح. صاحب كتاب (عون المعبود) أوضح بجلاء أن ابن عمر كان ينهي صيامه مع عامة المسلمين، وأنه لم يكن يهتم بعد الأيام التي بدأ بها صيام رمضان. فإن كان رمضان تسع وعشرون يوماً كان يعتبر أن اكمال الثلاثين بصيام يومه الأول. أما إذا انتهى شهر رمضان بعدة ثلاثين يوماً فإن ابن عمر كان يعتبر أن يوم صومه الأول هو صوم تطوع من شعبان.

هذا هو التفسير الصحيح للعبارة المستدل عليها.

ثانياً: إن هذه الرواية هي الرواية الوحيدة لابن عمر والمتعلقة يموضوع بحثنا التي ترد فيها عبارة (فاقدوا له ثلاثين).

سنرى فيما بعد أن هذه الرواية لابن عمر هي الوحيدة أيضاً التي تذكر إكمال العدة ثلاثين في حالة الطقس الغائم. أما بقية الروايات عن طريق ابن عمر تقتصر فقط على ذكر عبارة (فاقدوا له) والتي فسرت من قبل الجمهور على ضوء هذا الحديث، ولكن هذه الرواية شاذة وتناقض نفسها بنفسها. ذلك بأن تطبيق ابن عمر الفعلي كان عكس الرواية التي يرويها هو بنفسه والتي تقضي بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً في حالة الطقس الغائم، ففي حالة الرؤية غير الواضحة في الأفق كان يبدأ صومه بعد إكمال تسع وعشرين من شعبان.

يرى الفقيه الحنبلي ابن قدامة أن ابن عمر فسر المعنى الصحيح للحديث من خلال عمله وتطبيقه الشخصي، ومن الضروري الأخذ بعين الإعتبار أنه هو الراوي الأصلي للحديث الذي يذكر أن علينا إكمال العدة ثلاثين يوماً في حالة الطقس الغائم.

"وَمَعْنَى اُقْدُرُوا لَهُ : أَيْ ضَيَّقُوا لَهُ الْعَدَدَ مِنْ قوله تعالى : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } . أَيْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ . وَقَوْلِهِ : { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } . وَالتَّضْيِيقُ لَهُ أَنْ يُجْعَلَ شَعْبَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا . وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِفِعْلِهِ , وَهُوَ رَاوِيه , وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ , فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِه".[29]ِ

يقول إبن حزم الظاهري:

" قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا ابْنُ عُمَرَ هُوَ رَوَى أَنْ لَا يُصَامُ حَتَّى يَرَى الْهِلَالَ ثُمَّ كَانَ يَفْعَلُ مَا ذَكَرْنَا".[30]

هل من المعقول أن ابن عمر كان يذهب في تصرفاته هذه عكس أوامر النبي وتوجيهاته، والتي رواها هو بنفسه. كما أن العديد من صحابة رسول الله وتابعيهم كانوا ينهجون نهج ابن عمر في الصيام وذلك للحرص على عدم إضاعة يوم واحد من رمضان. ونورد ما ذكر ابن قدامه حيث قال:

" مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ غَيْمٌ , أَوْ قَتَرٌ وَجَبَ صِيَامُهُ , وَقَدْ أَجْزَأَ إذَا كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ رحمه الله فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ , فَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ مَا نَقَلَ الْخِرَقِيِّ , اخْتَارَهَا أَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا , وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ , وَابْنِهِ , وَعَمْرِو بْن الْعَاصِ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَنَسٍ , وَمُعَاوِيَةَ , وَعَائِشَةَ , وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ , وَبِهِ قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ , وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ , وَابْنُ أَبِي مَرْيَمَ , وَمُطَرِّفٌ , وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ , وَطَاوُسٌ , وَمُجَاهِدٌ".[31]

ذكر الإمام النووي أن الإمام أحمد كان يأمر بالبدء بصيام شهر رمضان بعد تسع وعشرين يوماً من شعبان في حالة عدم إمكانية رؤية الهلال. هذا هو رأي ثمانية من صحابة رسول الله المعروفين ورأي سبعة من التابعين.

 "وُجُوبُ صِيَامِهِ عَنْ رَمَضَانَ رَوَاهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَرْوَزِيُّ وَمُهَنَّا وَصَالِحٌ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ . قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ وَطَاوُسٍ وَمُطَرِّفٍ وَمُجَاهِدٍ فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَسَبْعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ".[32]

وذكر العظيم آبادي صاحب كتاب (عون المعبود): 

"وروي معناه عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر تصومان ذلك اليوم، وقالت عائشة رضي الله عنها: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان. وكان مذهب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صوم يوم الشك إذا كان في السماء سحاب أو قترة، فإن كان صحو ولم ير الناس الهلال أفطر مع الناس، وإليه ذهب أحمد بن حنبل".[33]

وقد عارض بعض العلماء الكلام السابق، وقالوا أن ابن عمر والآخرين كانوا يصومون يوم الشك بنية صيام التطوع، وليس على أنه أول أيام شهر رمضان. وهذا تفسير غير صحيح وغير مطابق للواقع، لأنهم كانوا يصومون ذلك اليوم بنية صيام رمضان وليس صيام تطوع، وقد ذكر الإمام أحمد ذلك بجلاء حيث قال:

يجب صومه على أنه من رمضان[34]

يحدد بدر الدين العيني يوم الشك على أنه:

"قال العلامة العيني: "ويوم الشك هو اليوم الذي يتحدث الناس فيه برؤية الهلال ولم يثبت رؤيته أو شهد واحد فردت شهادته أو شاهدان فاسقان فردت شهادتهم".[35]

ثالثاً: كيف يدّع مدع أن هناك إجماع بين الفقهاء على أن إكمال العدة ثلاثين يوماً هو التفسير الصحيح وهوالمقصود بقوله: "فاقدوا له"، وقد رأينا أن ممارسة ابن عمر وهو الراوي الأصلي للحديث عكس ذلك، وأنه كان يضيّق شهر شعبان ويصوم رمضان بعد التاسع والعشرين في حالة عدم وضوح رؤية الهلال. بل إنه لا يوجد إجماع بين الصحابة والتابعين أن إكمال العدة ثلاثين يوماً هو التفسير لقول النبي: "فاقدوا له". فلو كان كذلك حقاً، وكان أمراً واضحاً من أوامر النبوة فكيف نفسر موقف عبد الله بن عمر، وموقف السيدة عائشة، وأسماء والإمام أحمد وعدد آخر  من الصحابة. وهل من الممكن أن نعتقد أنهم خالفوا عن أمر رسول الله.

رابعاً: إن ما ذهب إليه عبد الله بن عمر وهذه الكوكبة من العلماء من البدأ بصيام رمضان بعد التاسع والعشرين من شعبان في حالة الطقس الغائم ودون اللجوء إلى الرؤية البصرية للقمر، هذا الموقف يدحض مقولة أن هناك إجماع بين العلماء على اعتبار الرؤية البصرية بالعين المجردة للإنسان أو إكمال الشهر ثلاثين يوماً هي فقط الطرق الصحيحة لإثبات دخول شهر رمضان وبقية الشهور الإسلامية. ذلك بأن طريقة ابن عمر والإمام أحمد هي طريقة قائمة على مجرد العد الحسابي لأيام شعبان في حالة الطقس الغائم وليست قائمة على الرؤية البصرية المجردة أو إكمال العدة ثلاثين.

خامساً: هناك أحاديث في البخاري ومسلم وكتب حديث أخرى تقول أن الرسول نفسه كان يبدأ الشهر أو ينهيه دون الاعتماد على الرؤية البصرية أو إكمال العدة ثلاثين.

 "حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا".[36]

فكان الرسول يحسب الأيام  فينهي شهره أو يبدأ الشهر الجديد دون رؤية الهلال. فالرسول لم يقل أنه شاهد الهلال ونعرف أن إحدى زوجاته سألته هل رأى الهلال أم لا. كما أن الحديث لم يذكر أن الطقس كان غائماً  ذلك المساء. ومن الواضح أيضاً أن الرسول لم يكمل الشهر ثلاثين يوماً.

وروى الإمام البخاري ذات الحديث عن طريق أنس بن مالك كذلك:

 "حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ". [37]

وروى الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله:

"حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالَا حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُا اعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا فَخَرَجَ إِلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ طَبَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ ثَلَاثًا مَرَّتَيْنِ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ كُلِّهَا وَالثَّالِثَةَ بِتِسْعٍ مِنْهَا."[38]

 كما رواه عن عمر بن الخطاب:

حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ سِمَاكٍ أَبِي زُمَيْلٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا اعْتَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ... فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كُنْتَ فِي الْغُرْفَةِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ قَالَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَقُمْتُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي لَمْ يُطَلِّقْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ..."[39]

وصحح الترمذي هذا الحديث.

"حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". [40]

يبدو من هذا الحديث أن الرسول أثبت الشهر بالعد تسع وعشرين يوماً وليس بالرؤية البصرية أو بالإكمال ثلاثين يوماً.

من خلال ما تقدم نرى أنه من الوضوح بمكان أن القول بإجماع الأمة على أن السنة القمرية الإسلامية لا يمكن إثباتها إلا بالرؤية البصرية أو بالإكمال ثلاثين قول عار عن الصحة، وغير حقيقي. كما أن هناك استثناءات عديدة لهذه القاعدة تساند ما قلناه حول هذه النقطة. إضافة إلى أن كلا هذين التفسيرين والقائلين باكمال عدة شعبان ورمضان ثلاثين يوماً في الطقس الغائم كما يرى الجمهور، أو ابتداء شهر رمضان بعد التاسع والعشرين من شعبان عندما يكون الأفق غير واضح كما فعل ابن عمر والإمام أحمد.  كلاً من هذين المذهبين يقود إلى العديد من الاختلافات التطبيقية لنهاية شهر رمضان. فقد ينتهي شهر رمضان أحياناً بعد ثمانية وعشرين يوماً، وأحياناً أخرى بعد إحدى وثلاثين يوماً.

لقد قام الدكتور شفاعت أحمد بتحليل متكامل لهذه الصعوبات فأكد أن كلمة (فاقدوا له) تعني تقدير الوقت. لكن طريقة التقدير لم تعين بالضبط. على اعتبار أن هذا متعلق بالمعلومات والأدوات المتاحة، والتي تتغير من مكان إلى مكان، ومن وقت لآخر.

على كلٍ، فإن البعض قد حاول حصر عبارة (فاقدوا له) بالمعنى الضيق وأرسى طريقة واحدة، سهلة، بسيطة التطبيق في كل الحالات ـالرؤية أو الاكمالـ. هذا يولد السؤال التالي: هل ذات تضييق عدد الأيام يكون لشعبان ورمضان معاً؟.

إذا كان الطقس غائماً في شعبان ورمضان معاً فإننا أمام أربع احتمالات للإجابة عن هذا السؤال. هذه الاحتمالات هي: إما أن يكون كلا الشهرين تسع وعشرون يوماً، أو يكون كلا الشهرين ثلاثون يوماً، أو يكون أحدهما تسع وعشرون والآخر ثلاثون بالتبادل.

أولاً: إذا كان الطقس غائماً في التاسع والعشرين من شعبان والتاسع والعشرين من رمضان فإننا نكمل عدة كليهما ثلاثين يوماً، وعليه فإنك لن تصوم أكثر من ثلاثين يوماً قطعاً، ولكنك قد تصوم ثمانية وعشرين يوماً فقط.

على فرض أن عدة شعبان ورمضان كانت تسع وعشرون يوماً بحسب ولادة القمر، لكن الطقس كان غائماً في شعبان وصاف في رمضان فأنت في هذه الحالة تكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً وتفقد من رمضان يوماً فتكون قد صمت ثمانية وعشرين يوماً فقط.

وفي أماكن مثل جزر الكاريبي وترنداد حيث الطقس غائم في أغلب الأحيان فإن هذه العملية قد تقود إلى جعل رمضان حتى أقل من ثمانية وعشرين يوماً.

ثانياً: إذا كان الطقس غائماً في التاسع والعشرين من كلا الشهرين؛ رمضان وشعبان على السواء، واتُخذ الشهران على أنهما تسع وعشرون يوماً كمذهب ابن عمر ومن وافقه من الصحابة والتابعين مثلاً، ففي هذه الحالة من غير الممكن أن تصوم  أقل من تسع وعشرين يوماً، ولكن في بعض الأحيان قد تصوم واحداً وثلاثين يوماً أو ربما أكثر، أو حتى ممكن أن يأتي عيد الفطر في رمضان.

أي أنّا لو افترضنا أن رمضان في الحقيقة كان ثلاثين يوماً، وكان غائماً في شعبان وصافياً في رمضان؛ واعتماداً على قاعدة تضييق الشهر في الطقس الغائم إلى تسع وعشرين يوماً، فإنك في هذه الحالة تعد شعبان تسع وعشرين يوماً ثم تصوم في آخر يوم من شعبان مع أنه على الحقيقة ثلاثون يوماً، فإذا كانت السماء صافية في التاسع والعشرين من رمضان فإنك ستعلم أن رمضان لم ينته، فعلى هذا ستصوم ثلاثين يوماً من رمضان ويوم واحد من شعبان؛ فيكون المجموع واحد وثلاثون يوماً.

ثالثاً: إذا كان الطقس غائماً في شعبان فأكملت الشهر ثلاثين يوماً، وكان غائماً في رمضان فجعلته تسعاً وعشرين يوماً؛ ففي هذه الحال لا يمكن أن تصوم أكثر من ثلاثين يوماً، ولكن قد تصوم ثمانية وعشرين يوماً في بعض الأحيان.

رابعاً: إذا كان الطقس غائماً في التاسع والعشرين من شعبان، فجعلت عدته تسعاً وعشرين يوماً، وكان كذلك غائماً في التاسع والعشرين من رمضان فجعلته ثلاثين يوماً فأنت في هذه الحال لا يمكن أن تصوم أقل من تسع وعشرين يوماً، لكنك قد تصوم واحداً وثلاثين يوماً في بعض الأحيان.

لقد أورد الدكتور أحمد شفاعت ملاحظات هامة فقال: اليوم كلنا نعتقد أن الاحتمال الأول وهو إكمال عدة شعبان ورمضان ثلاثين يوماً في حالة الإغمام وعدم وضوح الرؤية هو الاحتمال الوحيد الممكن، والمقبول. ولكن سيستغرب القارئ إذا عرف أن كل الاحتمالات السابقة مأخوذ بها من قبل فقهاء المسلمين.

من المؤكد أن الاختلافات في الروايات المتنوعة للأحاديث الشريفة والتي تدور حول بداية أو نهاية شهر رمضان، من الممكن أن تكون واضحة من خلال هذا الاختلاف في التطبيق. مما تقدم من خلال التحليل السابق أن الناس قد يقعوا في أحد محظورين في حال الإكمال حالة كون الطقس غائماً؛ إما ضياع اليوم الأول من شهر رمضان، أو صيام يوم الفطر. وكلا الأمرين منهي عنهما في الأحاديث النبوية الصريحة، والأحاديث لا يعارض بعضها بعضاً.

 

 

 


[1]- البخاري, ج.6, ص.481

[2]- مسلم, صحيح, ج.5, ص.355

[3]- أحمد, مسند أحمد, ج.4, ص.413

[4]- مسند أحمد, ج.5, ص.251

[5]- مسند, ج.4, ص.413  

[6]- مسند, ج.19, ص.137 

[7]- مسند, ج.19, ص.231

[8]- مسند, ج.19, ص.50 

[9] - مسند أحمد, ج.20, ص.48

[10]-  مسند أحمد, ج.19, ص.320

[11]- مسند, ج.33, ص.28

[12]- مسند, ج. 19, ص.231

[13]- مسند, ج.38, ص.355

[14] - مسند أحمد, ج. 19, ص.50

[15]- مسند, ج. 41, ص.396

[16]- محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي, المكتبة الشاملة, ج.3, ص.106

[17]- الترمذي, ج.3, ص.113

[18]- عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل بن بَهرام الدارمي، سنن الدارمي, المكتبة الشاملة, ج.5, ص.166

[19]- أبوداود, سنن, ج.6, ص.263

[20]- أبو داود, سنن, ج.6, ص.265

[21]- حيّان بن خلف بن حسين بن حيَّان, صحيح ابن حبان, المكتبة الشاملة, ج.14, ص.417

[22]-  أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي, سنن الكبرى, المكتبة الشاملة,  ج.4, ص.207

- - د. أحمد شفاعت، ’’ دراسة للأحاديث حول تحديد التاريخ الإسلامي, أكتوبر, 2003, ص.,13[23]

www.islamicperspectives.com

[24]- شفاعت, ص.12

[25] -  النووي، المجموع، المكتبة الشاملة، ج.6، ص.270

[26]- النووي, أيضا

[27]- أبو داود, ج.6, ص.256

- البيهقي, سنن الكبرى, ج.4, ص.204[28]

[29]- عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي، المغني، المكتبة الشاملة,  ج.6, ص.38

[30]- – أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، المحلى ، المكتبة الشاملة, ج.7, ص.24

[31]- ا بن قدامة الحنبلي، المغني، ج.3، ص.7.

[32]- النووي, المجموع، ج.6، ص.408

[33] -شمس الحق العظيم آبادي,عون المعبود، ج.5، ص.211

[34]- عون المعبود, ج.5, ص.195

[35]- عون المعبود, ج.5, ص.211

[36]- البخاري, صحيح, ج.6, ص.482

[37]- البخاري, ج.20, ص.379

- مسلم, صحيح, ج.5, ص.362[38]

- مسلم, صحيح, ج.7, ص.441[39]

[40]- الترمذي، السنن, ج.3, ص.

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.