ضعف مقولة أن هناك إجماعاً على رفض الأخذ بالحسابات الفلكية

ضعف مقولة أن هناك إجماعاً على رفض الأخذ بالحسابات الفلكي

على الرغم من هذا الإدعاء بوجود الإجماع فإن هناك بعض الأصوات المعارضة والمنتسبة إلى المدارس الفقهية الثلاثة ما عدا المدرسة الحنبلية كما سنرى.

هناك مرجعيات معروفة في المذهب الحنفي والمذهب الشافعي والمذهب المالكي لا ترفض التعامل مع الحسابات الفلكية على أساس الرفض المطلق، سواءً كان ذلك في إثبات شهر رمضان أو ماشابه ذلك. أما المدرسة الحنبلية فهي المدرسة الوحيدة التي تجمع على رفض الحسابات الفلكية رفضاً تاماً، جملة وتفصيلاً.

هناك أقلية محدودة جداً بين فقهاء السلف التي توافق على استخدام الحسابات الفلكية في إثبات أو نفي شهر رمضان. وهذا العدد القليل من العلماء لايزال في ازدياد وخاصة في عصرنا، بل أبعد من ذلك، فهم يرون أن الحسابات الفلكية هي الطريقة الحاسمة لمعرفة حركة الأجرام السماوية، وهي أكثر دقة من مجرد الرؤية البصرية بالعين المجردة للإنسان. هذه المجموعة من العلماء لا ترى أي حرج أو أي مانع من استخدام الحسابات الفلكية في أمور الدين لا في القرآن ولا في السنة، بل على العكس فإنها تورد أدلة من القرآن والسنة تؤيد ما ذهبت إليه من أهمية استخدام الحسابات الفلكية، كما أوردت هذه المجموعة أدلة عقلية وعملية.

على أن هذه الفرقة من العلماء المؤيدة لاستخدام الحسابات تنقسم بدورها إلى مجموعتين:

مجموعة تقبل الحسابات الفلكية لنفي أو لإثبات دخول الشهر في حالة الإغمام فقط، حيث أنه إذا أثبتت تلك الحسابات استحالة الرؤية البصرية أو استحالة ولادة القمر فإنها لا تقبل أي شهادة تقضي برؤية الهلال حتى وإن كان الشهود عدولاً. هذه المجموعة من العلماء موجودة منذ العصور الإسلامية القديمة، ويمكن ارجاعها إلى القرن الهجري الأول. مثل الفقيه والتابعي المعروف مطرف بن عبد الله ابن الشخير، وأبو العباس أحمد بن عمر بن سريج المتوفى سنة  (306) للهجرة، وتقي الدين على السبكي (683 – 756).

وفي العصر الحديث فإننا نجد من بين العلماء المعاصرين الشيخ يوسف القرضاوي رئيس مركز البحوث في السنة والشريعة في جامعة قطر، وعدد آخر من العلماء الذين وقفوا هذا الموقف.

أما المجموعة الثانية فهي تجيز استخدام الحسابات الفلكية سواء لإثبات دخول الشهر أو عدم دخوله بغض النظر عن ما تقوله الرؤية البصرية في ماإذا كانت مخالفة للحسابات. هذه المجموعة تعتبر مجموعة حديثة تتضمن بعض علماء القرن الأخير وبعض من العلماء المعاصرين مثل مصطفى المراغي إمام الأزهر الأعظم (1935 – 1945)، والشيخ أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبدالقادر(1891– 1957)، والشيخ مصطفى الزرقاء (1901 – 1999) الفقهيه المعروف والحائز على جائزة الملك فيصل لعام (1990). بالإضافة إلى الشيخ على الطنطاوي (1908 – 1999)، والشيخ اللبناني الأصولي فيصل مولوي، والفقيه الأردني المعاصر  الدكتور شرف القضاة، وعدد آخر من العلماء.

لهذا فإن القول بوجود إجماع قائم على أساس اعتماد الرؤية البصرية أو إكمال عدة الشهر على أنهما الطريقان الوحيدتان المقبولتان عند الأمة بأكملها هو قول غير دقيق، ولا يعتمد على الحقائق التاريخية كما سنرى فيما سيأتي، وكما قال الشيخ فيصل المولوي: " من هذه النقول _وهناك كثير منها_ يتبين أنه ليس في المسألة إجماع بالمعنى الأصولي الذي يصبح معه الحكم قطعياً لا تصح مخالفته، والإجماع عند جمهور الأصوليين لا ينعقد بمخالفة واحد، فكيف إذا خالف فيه علماء كبار ابتداءً من عصر السلف الأول إلى عصرنا الحاضر؟ إن هذا الموضوع قابل إذاً للبحث والمناقشة والإجتهاد، خاصة بعد تطور علم الفلك في عصرنا إلى القدر العظيم من الدقة الذي نشاهده ونعيشه كل يوم".[1]

 النقطة الثانية في هذا الاعتراض:

بالاضافة إلى ذلك فإننا لا نرى إجماعاً بين الفقهاء على طبيعة الرؤية البصرية لإثبات دخول أي من شهر شعبان أو رمضان، ولا حتى أي إجماع فيما يتعلق بالعدد المطلوب من الشهود. بمعنى: هل يتم إثباتها بشاهد واحد أو بشاهدين أو عدد من الشهود؟ كما أن هناك اختلافاً في رأي الجمهور حول المعيار في قبول الشهود وصفاتهم، فهل يقبل الذكر والأنثى، العبد والحر؟[2].

وعلى سبيل المثال لا الحصر: فقهاء الحنفية يطلبون عدداً كبيراً من الشهود الفرادى في حالة وضوح الأفق وخلوه من الغمام أي يطلبون الرؤية الفاشية. أما إذا كان الطقس غائماً فهم يقبلون شهادة شاهد واحد، مسلم، عدل  لإثبات دخول شهر رمضان حصراً. [3]

أما فقهاء المالكية فهم يطلبون عدداً كبيراً من الشهود في حالة خلو الأفق من أي شئ يعكر الرؤية؛ كالغيوم أو الغبار أوالضباب أو إلى ما هنالك. أما إذا كان الطقس غائماً فإنهم يطلبون شاهدين مسلمين عدلين أو أكثر. إذاً هم على عكس علماء الحنفية لايقبلون شاهداً واحداً لإثبات رمضان أو شوال.

بينما علماء الشافعية يقبلون شاهداً واحداً، مسلماً، عدلاً في حالة الطقس الغائم أو عدمه، سواءً لإثبات شهر رمضان أو شوال. والحنابلة يقبلون شاهداً واحداً، عدلاً لإثبات شهر رمضان، بينما يطلبون شاهدين اثنين لإثبات شهر شوال. [4]

ولا يسعنا في هذا المقام الخوض في التفاصيل المتعلقة بالمنهج العلمي للرؤية، فيكفي أن نلاحظ أنه بدلاً من القول بإجماع علماء الأمة حول الرؤية البصرية على أنها الأسلوب الوحيد لإثبات الشهر قبل إتمام ثلاثين يوماً، فإنه من الإنصاف القول بأنه لا يوجد إتفاق بين العلماء في تفاصيل الأمر، بل هناك العديد من الاختلافات. لهذا لا يمكننا القول بأن الرؤية البصرية هي القاعدة القطعية والحتمية في الشرع والتي تحظى بإجماع الأمة جملة وتفصيلاً. أفضل ما يمكن قوله أن الرؤية والأحكام المتعلقة بها هي أمر ظني وليس قطعي الدلالة في الشريعة. والظني لا يرجح على القطعي كما يقول محمد رشيد رضا " وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَنَّ الْعِلْمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ ، فَلَا يُعْمَلُ بِالظَّنِّ مَعَ إِمْكَانِ الْعِلْمِ ، فَمَنْ أَمْكَنَهُ رُؤْيَةُ الْكَعْبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهَا وَيَعْمَلَ بِظَنِّهِ الَّذِي يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ الِاجْتِهَادُ ."[5] و كما يقول أيضا بأن "َالْحِسَابُ الْمَعْرُوفُ فِي عَصْرِنَا هَذَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ."[6]

 

- فيصل المولوي، السبب الشرعي لوجوب صيام رمضان هل هو: دخول الشهر أم رؤية الهلال، ص.5.[1]

[2]- انظر د. صلاح سلطان، رؤية علمية وتربوية حول رؤية الأهلة، موقع: www.fiqhcouncil.org, مارس, 2009

[3] - انظر كتاب الففه الإسلامي و أدلته للدكتور وهبة الزحيلي، بيروت, دار الفكر,1997, ج.3, ص.1651

[4] - الزخيلي, الفقه الإسلامي,ج.3, ص. 1652-1653

- محمد رشيد رضا, تفسير المنار, ج.2, ص.150[5]

- تفسير المنار, ج.2, ص.151[6

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.