فكرة الإله في التوراة و التلمود

تكمن أصول التجسيد التوراتي لله في سِفر التكوين، وهو السِّفر

الأول في التوراة اليهودية وفي الكتاب المقدّس للمسيحيين. في الآية رقم 26

من الإصحاح الأول، يُقال إن الله يُعلن، قائلاً: "نعمل الإنسان على

صورتنا كشبهنا". يحاول الكثيرون من المفسرين المتعصبين تأويل هذه

الآية تأويلاً روحيّاً، فيزعمون أن الصورة والشَّبَه المذكورين في الآية لا

يشيران إلى جانب مادي، بل إلى جانب روحي. ولكن الكلمتين العبريتين

selem الأصليتين تتحديان مثل هذا التأويل. فالكلمتان العبريتان

شبه تدلان في المقام على الشكل الخارجي، وليس ( demute )صورة و

على السمات الروحية الداخلية

ولذلك، يبدو الإله العبراني مثل الإنسان، وغالباً ما يتصرف مثل

الإنسان. وتكثر هذه الفكرة عن الشبه بين الله والإنسان في التوراة العبرية

وتصاحبها صور تجسيدية. وهكذا، اللهُ، مثل الإنسان، "متقلِّبٌ"، و"محدَّد

في الزمان والمكان" بحريَّةٍ، ويتحرك، ويتغير، ويستجيب للتغيرات.

علاوة على أن الله في التوراة العبرية يبدل أيضاً رأيَه ويبدل كذلك أقواله.

فعلى سبيل المثال، يرد فيها أن النبي موسى جعل اللهَ يتوب عن بعض

أقواله الشريرة، الأمر الذي جعل الله يبدل القول. وأحياناً يظهر اللهُ

ذا طابعٍ قَبَ بإيحاء عنصري مستتر، وفي أحيان أخرى يبدو كسمسار

عقارات يهتم بحقوق الملكية أكثر من اهتمامه بالعبادة. وأعطى العهد

لإبراهيم، واعداً إياه بإعطاء "أرض الميعاد" له ولذريته للأبد بوصفها

ميراثاً يتوارثونه جيلاً عن جيل، ولكنه، إلى حد ما، إما غير قادر على الوفاء

بوعده أو غير راغب في الوفاء به. كما أنه ينصح موسى وبني إسرائيل بأن

يسلبوا ما في حيازة جيرانهم المصريين من ذهب وفضة وأقمشة. وغالباً ما

يمثّل اللهُ تطلعات العبرانيين وأهدافهم القومية، الأمر الذي يجعله، بوجه

من الوجوه، يُسْقِطُ فشلَهم وأحلامَهم ومخاوفهم على الكونِ. وهكذا، لا

نجد في الإله العبراني اللهَ الكاملَ والمتعالي المطلَق الموجود في التوحيد، بل

نجد إلهاً متجسِّداً ومتناهياً ناقصاً، وهو نتاجٌ لمخلوقيه المتناهين جداً؛ أي

أولئك الذي سجَّلوا العهد القديم.

لم يكن التوحيد الأخلاقي اهتماماً أساسيّاً لدى العبرانيين الأوائل.

ربما كان الإيمان بإله واحد من بين عدة آلهة أفضل وصف للدلالة على

فهمهم الأبوي لله. وحلَّ الإيمان بإله واحد من دون إنكار وجود آلهة

أخرى أو وحدانية)ياهوه( محل الإيمان بإله واحد من بين عدة آلهة

مع وصول موسى الذي يبدو في الوقت نفسه أنه يبذر بذور التوحيد

التوراتي، وإن لم يكن بالمعنى الدقيق للتوحيد. فياهوه إله غيور مع أن عا هَملَ

لا يخلو من وجود آلهة أخرى. علاوة على أن ياهوه لا يخلو من السمات

التجسيدية والصفات التجسيدية التي يبدو أنها تُقَدَّمُ بجرأة بتعبيرات

تجسيدية ومادية. والميل التجسيدي واضحٌ حتى لدى الأنبياء اللاحقين

الذين ناصروا التوحيد الصارم وعارضوا عبادة الأصنام والصورَ

المنقوشة معارضة شديدة. ولا يُقَدَّمُ إلههم بعبارات مادية صريحة،

ولكنه مازال تجسيميّاً وتجسيديّاً بشكل واضح؛ أي إنه انعكاس لفكرة

أن الله خلق الإنسان على صورته وشبهه. يوجد الكثير من العبارات

التوراتية التي إذا نظرنا إليها حرفيّاً سنجد أنها تقدِّم الله بطريقة متعالية.

وعلى الجانب الآخر، تعالي اللهِ لا فُحيَْظُ بحرص في مأمن من الاستغلال

والحلول الوسطى. ولذلك نجد أن التوراة نفسها التي تميِّزُ تمييزاً قاطعاً

بين الله والإنسان تصوِّرُه في الكثير من الحالات أيضاً تصويراً يشبه البشرَ

شبهاً كبيراً جداً ويمنحه سمات وصفات بشرية. يبدو أن هناك توتُّراً بين

التجسيد والتعالي طوال التوراة، ولكن ذلك التوتر ليس حاسماً تماماً في

التخلُّص من الأوصاف التجسيدية لله.

فضلاً عن أن المجتمع اليهودي بوجه عام لم تظهر عليه علامات

انزعاج من وجود هذه التعبيرات التجسيدية في كتابهم المقدس إلا مع

هجوم الفلسفة اليونانية، خاصةً في القرن الأول قبل الميلاد. وحتى الفكر

الحاخامي اللاحق المتمثل في التلمود يبدو أنه يقبل تجسيد الله في التوراة،

بالرغم من وجود استثناءات لذلك. بالإضافة إلى التوراة المدونة، تُعدُّ

التوراة الشفاهية أو التلمود مهمة جداً في التراث اليهودي، فهي نص

أساسي فيه. اعتقد ثقاتُ الحاخامات أن الله أوحى بالتوراة الشفاهية

أو الشريعة لموسى، مثلما أوحى له بالتوراة المكتوبة، وهذا بالضبط ما

يعنيه تعبير "الشريعة لموسى من سيناء." ففي التلمود، يُصَوَّرُ الله على

أنه جالس على عرش مرتفع وفخم في أعمق جزء من قدس الأقداس، ويطلب من الحاخام إسماعيل: "يا بُني، باركْنيِ". وتصوّر المدراش)

العبرانيين على أنهم يرون الله محارباً وكاتباً مطَّلِعاً. وكان العبرانيون في

البحر الأحمر قادرين على أن يشيروا إلى الله بأصابعهم. "رأوا صورته

كما يستطيع الرجل أن ينظر إلى صديقه وجهاً لوجه". يرتدي اللهُ زي

التيفيلين التقليدي، ويص لنفسه ويدْرِسُ التوراة. ويزأر مثل أسد

ويقول: "اللعنة على الأبناء، بسبب خطاياهم دمَّرتُ بيتي وأحرقتُ

هيكلي ونفيتُهم بين أمم العالم". ويلتزم الله بجدول يومي ثابت ويمارس

الرياضة مع لوياثان. يقول التلمود: "يتكون النهار من 12 ساعة؛ في

أثناء الثلاث ساعات الأولى ينشغل الواحد المقدّس، طوبى له، بالتوراة،

وفي أثناء الثلاث ساعات الثانية، يجلس ليدير شؤون حكم العالم كله،

وعندما يجد أن العالم ارتكب من الذنوب ما يكفي لتدميره، ينتقل من

كرسي العدل إلى كرسي الرحمة. وفي أثناء الربع الثالث، يُطْعِمُ العا كله

من الجاموسة ذات القرنين حتى صغار الهوام. وفي أثناء الربع الرابع،

»... يلعب مع لوياثان

وله أيضا جدول مسائي ويستمع إلى أغنية ملائكة الحايوت.)

وكثيراً ما يذرف الدمع وينعي تدميرَ الهيكل في القدس وتشتتَ بني

إسرائيل، ويُسمَعُ صوتُه من طرف العا إلى الطرف الآخر. ويضرب

كفَّيه تعبيراً عن كربه وغضبه الشديد. ويبكي في الغرف المغلقة على مصير

إسرائيل ودمار هيكله. ويوميّاً يبكي ثلاث حالات من الفشل؛ إحداها

على الهيكل الأول، والثانية على الهيكل الثاني، والثالثة على إسرائيل الذي

نُفِي من مكانهما. ويدرك الحاخامات طابعَ التجديف في حق الله، الوارد في

هذه العبارات الجريئة عن االله. ويتضح ذلك من اعترافاتهم الماثلة في أنه

الذي يقول ذلك إرباً إربا"إذا لم يكن الكتاب المقدس هو الذي يقول ذلك، فينبغي أن يقطَّع اللسان

ومع ذلك، فقد استمر الحاخامات في

تكرار أسطورة الحزن والألم والنحيب الإلهي، كما لو كان ذلك جزءاً لا

يتجزأ من وصف الكتاب المقدس لله. وأخيراً، يأتي الله نفسه ليسترضي

مدينة القدس ويتم الحكم فيه خلال النار. ومن الصعب أن نجد مثل هذا

المثال على عقاب الله وتطهُّرِه في أي تراث ساميٍّ آخر.

كثيراً ما يوصف الله بأنه يبكي. وهو طلب من إرميا أن يستدعي

هيئة من الآباء من أمثال إبراهيم وإسحاق ويعقوب ليواسوه. يوصف

ملكُ الكونِ القديرُ بأنه ملك بائس يعجز عن حماية أبنائه أو عن الدفاع

عن قدس الأقداس أو عن إقرار طقوسه وعباداته، .. إلخ، وينوح على

الملأ بسبب كبريائه الجريح. ويبكي في الغرف السرية، ويحتاج إلى مواساة

أبوية بشرية كي يتفادى سخرية الأمم الأخرى. علاوة على ذلك، ليست

المشكلة في الواقع مشكلة تجسيد صغير أو متوسط من قبيل الرؤية

والمشاهدة والحب والاهتمام والمساعدة، الخ، فهذه سمات ضرورية

يتطلبها الاتصال بين الله والإنسان. فتبرز الصعوبة عندما نجد حالات

تجسيد ملموس تتجاوز غرض الوساطة، وتُصوِّر اللهَ على أنه ذو شكل

الشارح [ Genesis Rabbah يشبه البشر. في كتاب التفسير اليهودي

400 للميلاد تقريباً، يُذْكَرُ أن ر. هوشعيا قال: - لسِفر التكوين[، 450

"عندما أقدَم الواحدُ المقدَّس، تبارك، على خلق أول إنسان، ظنهَّ الملائكةُ

الخدَّامُ اللهَ إذ إن الإنسان كان على صورة الله وأرادوا أن يقولوا أمامه:

"المقدس" المقدس هو رب الحشود[." وعندما يفسر التلمودُ الآية

الثالثة من الإصحاح الخامس عشر من سفر الخروج التي تقول: "الرب

رجل الحرب. الرب اسمه"، لا يتورع عن وصف الله بأنه إنسان حقيقي.

"كلمة "إنسان" لا تدل إلا على الواحد المقدس، تبارك، لأنه يقال: "الرب

رجل الحرب". ووفقاً لرأي الحاخام يعقوب نيسنر، هذه هي "الألوهية

في شكل البشرية".

باختصار، الله عند الحاخامات التلموديين هو إله متجسد تماماً،

وتقيّده قيود بشرية لا حصر لها. ولا يوجد أي شبه، بأي حال من

الأحوال، بين التصور اللاهوتي الحاخامي لله، والله القدير العليم المستقل

في كل مكان وزمان في اللاهوت المتعالي التوحيدي. بالأحرى، سيتضح

أن التصور الحاخامي عن الله انعكاسٌ للتطلعات السياسية والدينية

اليهودية. فمصير الله يقترن بمصير اليهود، وهو يعاني لمعاناتهم وينعي

إخفاقاتهم. وهذا الإله الناعي والباكي لا يمكن أن يقال عنه إنه الإله

القدير للكون كله

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.