فكرة الإله في الفكر اليهودي

 

دفع الفكرُ الهيليني اليوناني مجموعة من العلماء اليهود إلى القيام

بتأويل التعبيرات التجسيدية تأويلاً مجازيّاً. فعلى سبيل المثال، تزعَّمَ

أريستوبولوس ) 150 قبل الميلاد( وفيلون جودايوس ) 20 قبل الميلاد

 ميلادية( التأويل المجازي لإزالة الفقرات التجسيدية لدرجة40

أن فيلون جرَّدَ إلهه تجريداً تاماً من كل السمات. وبعد ذلك في العصور الوسطى عارض سعاديا بن يوسف ) 942

وباهيا بن باقودا 1040 ( ويهوذا اللاوي ) 1141

 التجسيدات التوراتية معارضة شديدة. ونصل أخيراً إلى موسى بن ميمون ) 1204

بمذهب عدم مادية الله، وقال بأن من ينكرون ذلك وثنيون ومهرطقون

يبدو أن الفلاسفة اليهود في القرون الوسطى قد أزعجتهم بالفعل هذه

التعبيراتُ التجسيدية، وكان ذلك يرجع في الغالب إلى الهجوم الجدلي

الذي شنه علماء الكلام المسلمون. وبالرغم من التبجيل الرسمي الذي

كان ومازال يحظى به موسى بن ميمون بين الكثيرين من اليهود، لم تنجح

محاولته بأن يضفي الطابع العقلاني على الله اليهودي في أن تحظى بقبول

رفاقه من رجال الدين اليهود؛ إذ إنهم رفضوا إلههَ غير المادي. ونظروا إلى

مذهبه اليوناني الهيليني على أنه نقيض للتراث التجسيدي الموثَّق تاريخيّاً

والملزِم نصِّيّاً لليهود بوجه عام. ومن ثمَّ، استمر الاتجاه التجسيدي نفسه

عند الأجيال اللاحقة.

ونجد شكلاً من التجسيد أكثر بشاعة في فترة الجاؤونيم،)

( الجاؤونيم كلمة جمع في العبرية ومفردها جاؤون وتعني الكبرياء أو الفخر، وكانت تستخدم

للدلالة على رئيسيّ الأكاديميتين التلموديتين البابليتين في العصور الوسطى، في الفترة المناظرة

للعصر العباسي، ولعبا دوراً مهماً في نشر التوراة والشريعة اليهودية، والكلمة تستخدم بمعنى

  » فخامته » أو » سعادته »

،Shi’ur Koma " وأبشع كتاب في هذه الفترة كان كتاب "الأبعاد الإلهية

ففي هذا الكتاب، يوصف الله بأنه كائن ضخم له شكل بشري وطوله

وعرضه ليس لهما مثيل. ويقيس المؤلف كل عضو من أعضاء الله، مثل

رقبته ولحيته وعينه اليمنى وعينه اليسرى وشفته العليا وشفته السفلى

بالفراسخ )والفرسخ وحدة قياس قديمة للمسافات تعادل أربعة

أميال أو ستة كيلومترات(. فقط "تلك الفراسخ ليست مثل فراسخنا،

لأن الفرسخ السماوي يساوي مليون ذراعٍ، وكل ذراع يساوي أربعة

أشبار، وكل شبر يمتد من طرف العا إلى الطرف الآخر". ويقول سِفر

 رازيل الملاك: "وطوبى لمن يعرف هذه القياسات، فله نصيب في الدنيا

    القادمة و هذا نصه 

قال الربي يسماعيل: "قال لي ميتاترون رب الأعظم: أشهد بهذا الشهادة نيابة عن الرب يهوه، إلوهيم إسرائيل، الإله الحي والباقي، ربنا وسيدنا

أن طوله، من عرش مجده إلى الأعلى (هو) ١١٨ عشرة آلاف فرسخ (ربابوث),

من عرش مجده إلى الأسفل (هو) ١١٨ عشرة آلاف فرسخ (ربابوث),

طوله الكلي ٢٣٦ عشرة الألف الألوف فرسخ.١

من ذراعه اليمنى إلى ذراعه اليسرى (هو) ٧٧ عشرة ألف (فرسخ).

من عينه اليمنى إلى (عينه) اليسرى (هو) ٣٠ عشرة آلاف (فرسخ).٢

الجمجمة على رأسه (هي) ثلاثة وثلث عشرة ألف (فرسخ).٣

التيجان على رأسه (تبلغ) ٦٠ عشرة آلاف (فرسخ) مساوية لـ ٦٠

عشرة آلاف من أسباط إسرائيل
"تبارك اسم مجد ملكوته إلى الأبد."

"يقال إن من يعرف هذا السر سيضمن نصيبه في العالم الآتي (سيضمن أن يكون ابنًا (ابنة) للعالم الآتي)، وسينجو من عذاب جهنم (الجحيم) ومن كل أنواع العقوبات والمراسيم الشريرة الموشكة على حلول العالم، وسينجو من كل أنواع السحر، لأنه ينقذنا، ويحمينا، ويفدينا، وينقذني __________ من كل الأشياء الشريرة، من كل المراسيم القاسية، ومن كل أنواع العقوبات من أجل اسمه العظيم

ودون أن ينكر العلماء واللاهوتيون التوراتيون وجود التجسيد في

التوراة بأشكاله الفجة، يحاولون أن يوردوا بعض الأسباب التي تدفعهم

إلى الإحساس بضرورة هذا التجسيد. فأمّا السبب الأول والأكثر وروداً

فهو الافتراض القائل بأن العقل البشري عاجز عن تمثيل الله كما هو في

حدّه. وأمّا السبب الثاني فهو القول بافتقار الروح الفلسفية لدى الشعب

القديم لدرجة أنهم لم يكن أمامهم خيار سوى أن يتصوَّروا الإله على أنه

إله فرد وشخصي ونشيط وحيّ، وهذا التصور يتطلب تصويراً تجسيديّاً.

ويُقال إن السبب الثالث يتمثل في الطبيعة العملية للشعب العبراني

وجرأتهم والبنية اللغوية للغتهم

لو كانت التوراة العبرية، كما يُعْتَقَدُ، هي الوحي الحقيقي أو إلهام

من الله، يمكننا أن نسأل: هل الله، خالق الطبيعة البشرية والموحِي

بمشيئته، عاجز عن أن يخبر الناس بلغة مناسبة ومقولات ملائمة مَن هو

وكيف ينبغي أن يُمَثَّلَ؟ لماذا يلجأ إلى استعمال تعبيرات تجسيدية ساذجة

وفجة؟ فهو على أية حال وهب البشرَ القدرةَ على إدراك الوقائع والحقائق

الأساسية عن نفسه بوصفه الحقيقة المطلقة والصدق المطلق. إن ورود

مثل هذه المصطلحات التجسيدية يدل على أن الكتاب المقدس التوراتي

كتبته أيادٍ بشرية. وأمّا الافتراض بصدور الوحي التقدمي أو التطوري

والتعبيرات التجسيدية الفجة عن عجز الإنسان عن معرفة الله، أو عن

تمثيله بأوصاف ملائمة غير تجسيدية، فينبع من افتراض آخر يتمثل في أن

هذه الأجزاء من التوراة هي كلام بشر وتمثيلات بشرية، وليست وحياً

إلهيّاً. ولا ينبغي أن تكون قيود البشر وعدم مقدرتهم على استيعاب ماهية

الله مسوِّغاً لوصف الله بأوصاف بشرية وأشكال بشرية مادية. فكل

الصفات والسمات، التي يتفق عليها الجميع، ليست موجودة فيه. من

الممكن دائماً أن نؤكد صفات الله من محبة ورحمة واهتمام، من دون أن

نجعله يبكي أو يصرخ. ويمكن بيان مغزى التوراة بطرق عدة بعيداً من

الزعم بأنه يقرأ أسفارها الأربعة والعشرين طوال النهار ويقرأ المشِنا,)

مجموعة من الكتابات التفسيرية التي تضم التراث الشفاهي للشريعة اليهودية المِشنا

 وتشكِّل جزءاً من التلمود، وتعني الكلمة حرفيّاً التعليم من خلال التكرار,

طوال الليل. ويحس المرء بالضياع عند محاولة فهم العلاقة بين جدول

الرياضة اليومي ثلاثي الساعات مع اللوياثان وبين الأعذار التي تقول

بأن البشر عاجزين عن فهم الله! والغريب أن الوضع يبدو كما لو كان

عكس ذلك تماماً. ففي هذا الوضع، يبدو أن البشر هم الذين يفهمون

الله ويعرفون عنه تفاصيل أكثر بكثير، حتى جدوله الشخصي نفسه بأدق

تفاصيله. وقد لا تحتاج الاتصالات الملائمة، وكذلك أسرار الله، مثل

هذه الألفة، وقد لا تتيحها، فالله المتعالي أسمى من مثل هذه القيود بكثير.

بالإضافة إلى أن الطبيعة غير الفلسفية لشخص أو أمَّة لا تتطلب

تمثيل الله بهذه الملكات والمقولات والخصائص غير الملائمة بالمرة والمنافية

لتعريف ومفهوم تعاليه ووحدانيته. علاوة على ذلك، وكما نوقِشَ، يتأكد

ذلك من خلال الحقيقة الماثلة في أن أشخاصاً يستخدمون اللغة العبرية

نفسها ومن الأمة نفسها والثقافة نفسها تصوَّروا اللهَ ومثَّلوه بعبارات

غير تجسيدية وغير تجسيمية؛ أي لو كان التجسيد متأصِّلاً في طبيعة

اللغة أو كان متطلَّباً عملياً للعبرانيين أو كان جزءاً من جرأة الأمة

العبرية وحسب، لكان ذلك يمثل ظاهرة عامة تشمل الجميع. ولكنه

ليس كذلك. وبناءً عليه، لماذا ذلك؟ من المفارقات أن العلماء أنفسهم،

الذين يقولون بأن الآباء أو موسى أو على الأقل الأنبياء العظماء كانوا

موحِّدين بالله بالمعنى الدقيق للتوحيد، يَبْدُون، على الجانب الآخر، أنهم

يسوِّغون استعمال التعبيرات البدائية الفجة لكي يقدِّموا الله بصورة

بصرية ويَفْهَمُوه وهو يقدم لهم تفسيرات واضحة. ولكننا لا يمكننا أن

نقبل الاتجاهين معاً. فلو كانت طبيعة أو جسارة شخصية قديمة مثل

موسى أو أنبياء آخرين – كما يقول هؤلاء العلماء – لا تمنعهم من أن

يكون لديهم مفهوم رفيع عن الله، فلا يمكن لذلك ولا ينبغي له أن

يكون سبباً جوهريّاً لاستخدام مثل هذه الأوصاف التجسيدية الفجة

في القصص التوراتية. ويمكننا أن نقول الشيء نفسه بالنسبة لطبيعة

المجتمعات البدائية فيما يتعلق بمفهومها عن الله.

تتمثل المشكلة في أن التوراة تُعَدُّ كلمةَ الله حرفيّاً، وليست عملاً

من أعمال الشعب العبراني البدائي أو الأمة العبرانية. ومع ذلك، بُعْدُ

المجتمعات، أو قيود بنية اللغة وتركيباتها، أو أي عامل آخر، يمكن أن

يكون له أثر في فرضية الدور البشري الفاعل، لأن الله لا يمثِّلُ، ولا

يمكنه أن يمثِّلَ، الوقائع تمثيلاً خطأً، أو أن فُخييَ الحقيقة. علاوة على

أن هذه الأسباب لا يمكن الاستشهاد بها واقعيّاً على أنها الأسباب

الوحيدة التي تفسر الأوصاف التجسيدية التوراتية. لا بدّ من إفساح

المجال لاقتراحات وأسباب وأسس أكثر عقلانية لتفسير وجود وحيوية

الأوصاف التجسيدية البشرية الواقعية الفجَّة، وكذلك تفسير حالات

الخلط وتناقضات التوراة. واقع الأمر أن السبب الرئيسي لهذا الخلط

وهذه التناقضات هو قبول الدور الذي لعبه البشر في جمع التوراة

العبرية ونقلها، وهذا، في الواقع، يتم الاعتراف به على نطاق واسع في

عصرنا الحالي

كان اليهود، على مدار قرون عدّة، ينظرون إلى موسى على أنه جامع،

أو بالأحرى وسيط، شرائع أسفار موسى الخمسة التي صدرت من الله

نفسه. وهذا التراث استحوذ عليه المسيحيون. يشتمل المبدأ الأساسي

الثامن لموسى بن ميمون، على الكلمات الآتية: "إن التوراة جاءت من

الله. وعلينا أن نؤمن بأن التوراة ككل منحها الله لنا عن طريق موسى،

معلِّمنا..." ولذلك كانت كلمة اللهِ معصومةً من الخطأ. هذه الكلمات

شديدة الوضوح وقوية وتفسر نفسها. حتى بداية عصرنا الحالي، كان

لدى اليهود إيمان قوي بالأصل الإلهي والتأليف الموسوي للتوراة ككل،

وبمعصوميتها وبأبديتها وبعدم قابليتها للتغير. وبالرغم من أن الأصوات

المعارضة لمثل هذه القراءة الحرفية للتوراة تشمل علماء مسيحيين من

أمثال كليمنتاين هوميليز والقديس جيروم وتيودور المفسوسطي )توفي

سنة 428 للميلاد تقريباً( وبعض العلماء اليهود من أمثال إسحاق بن

ياشوش وراشي وديفيد كيمحي وإبراهام بن عزرا )توفي سنة 1167

للميلاد( في القرن الثاني عشر الميلادي، مروراً بكارشتات وأندرياس

ماسيوس ) 1574 ( في القرن السادس عشر الميلادي وإسحاق دي لا

بيير ) 1655 ( ورتشارد سيمون وتوماس هوبز، ثم اسبينوزا في القرن

السابع عشر الميلادي، لم تتهيأ الظروف إلا في القرن الثامن عشر الميلادي

للنظر إلى التوراة على أنها كتاب مقدس ليس منزَّلا من السماء. وفي القرن

التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلاديين، تمكّن علماء التوراة من تفنيد فكرة الأصل الإلهي

والخارق للتوراة ولتأليف موسى لها. في الوقت الحالي، يقول ر. إ فريدمان بأنه "قلما يوجد عالم توراتي في العالم ينشغل بالسؤال يزعم أن أسفار موسى الخمسة كتبها موسى، أو أي شخص آخر"

أحدثت فرضية المخطوطة ليوليوس فلِهاوزن ثورة في مجال

البحث التوراتي بوجه عام، وفي دراسة أسفار موسى الخمسة بوجه

خاص. فمنذ أن قال يوليوس فلِهاوزن بهذه الفرضية، ذهب معظم

نقَّاد أسفار موسى الخمسة إلى أن هذه الأسفار عملٌ جماعي كُتبِ على

فترات متباعدة، وبه تناقضات وتضاربات وأساليب أدبية مختلفة،

ومن هنا لا يمكن أن تكون من عمل شخص واحد )موسى( كما كان

الزعم لقرون من الزمان. وتعارضُ الكنيسةُ واليهودُ الدراسةَ النقدية

للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد أو فحصه نقديّاً، ولكن هذا

المنهج العلمي الجديد ترك أثره على أتباع كلتا الديانتين، وأدى إلى

حدوث انشقاق فيما يتعلق بتأليف التوراة. كما اتضح تماًما أن كتَّاب

التوراة ومُعِدِّيها للنشر وجامعيها خلقوا إلهاً توراتيّاً على صورتهم

وعلى شَبَهِهم.

باختصار، عندما نُسْقِطُ هذه النتائج وهذه الطريقة في التفكير

على عصرنا الحالي، يمكننا أن نؤكد بثقة أن فهمَ التوراةِ لله والطبيعة

التقدمية أو التطورية لمفهومها عن الله قد يكونان من العوامل التي

أسهمت في الموقف المستهتر والغافل للإنسان المعاصر من الله المتعالي

في الدين التقليدي. علاوة على أن المعلومات التوراتية يبدو أنها لا تفندِّ

نظريةَ الإسقاطِ بلغة قطعية، بل على العكس، تقوم ببيانها، لأن العنصر

البشري غالب جداً على أجزاء كثيرة من التوراة لدرجة أنه يبدو واضحاً

أن التأليف لا يمكن أن يُنسَبَ إلا إلى بشر يفرضون صورَهم وسماتهم

ومقولاتهم على الله ويتصوَّرونه على أنه يشبههم. ونترك الكلمة الأخيرة

لروبن لين فوكس الذي يقول بإيجاز بليغ: "في الكتاب المقدس، هذا الله

لا يكشف عن نفسه، بل البشر يخلقونه في صورتهم كما المفترض أنه خلقهم، على صورته.

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.