مقدمة الكتاب

مقدمة

هذا الكتاب عرضٌ تفصيلي لقضايا تجسيم الخالق وتجسيده )وصف

الخالق بكلمات ومقولات وأشكال بشرية مادية( في التراث اليهودي

والمسيحي والإسلامي، كما وردت في النصوص الدينية. كما أن هذا

الكتاب يتناول بالتفصيل التطورات اللاحقة في الفكر اللاهوتي وتأويل

الرسالات ونقد التفاسير المتعلقة بمفهوم تجسيد الخالق، وما صاحب

ذلك من تأثير كبير في فهم تصوّر الخالق لدى أتباع هذه الديانات الثلاث.

خلق الله الإنسانَ على صورته الأخلاقية؛ أي إنه سبحانه وتعالى

شاء للبشرية أن تعيش حياة تتميز بالعدل والمساواة والإنصاف

والاحترام المتبادل والتعاطف والمحبة والتراحم والإحسان، .. إلخ.

وعلى الجانب الآخر، اختارت البشريةُ أن تنتهك حتى أبسط وصايا الله

الأخلاقية، وردَّتْ الجميلَ بأن صنعت صورة الإله على صورة الإنسان

نفسه؛ أي إنها أدخلت الغيبيَّ المتعالي غير القابل للوصف في نطاق البنية

والحيِّزِ، لا لشيء إلا لخدمة أهداف خفية ورغبات أنانية. واقع الأمر أن

أبناء إبراهيم )والمقصود بذلك وعي الساميين( شخَّصوا الإلهَ المتعاليَ

ومنحوه هويَّة قوميَّة وجسَّدوه، حتى إنه صار مجرّد صورة منهم أكبر

وأقوى وأكثر ضرراً. فلم تتورع البشرية عن أن تنسب إلى الله عز وجل

غايات وممارسات وأفكار ومرغوبات ومكروهات، .. إلخ، فردية

واجتماعية وقومية متنوعة، وذلك لكي تخلق مطلقاً من أفكار متناهية

متعلقة بالقومية، والعِرق، والسُلالة، ونظام الحكم، والأيديولوجيا،

وحتى اللاهوت.

وبعد أن رفعت البشرية لمصاف القيمة العليا ظواهرَ تاريخيةً

محدودةً، مثل الأرض أو السُلالة أو شخصية ما أو فكرة ما عن الألوهية

أو القانون، فإنها لم تتمكن في النهاية إلا من أن تستبدل بالله الواحد

الأحد عدة مُطْلَقَاتٍ مصطنعة متدنية للغاية ذات طبيعة وقيمة متناهية

في جوهرها. وكان من الحتمي أن تؤدي هذه المخاطرة الوثنية، أي

الفكرة التي صنعها الإنسان المتمثلة في الإله القومي أو المشخَّص، إلى

رد فعل حامي الوطيس ومقاومةٍ عنيفة، وأن تتهاوى في النهاية إلى لا

شيء. وتمثلت النتيجة المحكوم عليها بالفشل في "ألوهية" عصر التنوير،

ثم اللاأدرية العلمية، وأخيراً الإلحاد. ومع تطور العلم بشكل صارم،

وحلول فلسفة المذهب الإنساني العلماني محل الأفكار المتعلقة بالدين والله،

وتحولها إلى الروح الثقافية الجديدة للعصر، صارت الأفكارُ الجريئة، مثل

مقولة كارل ماركس بأن الدين أفيون الشعوب، ذات سطوة أكبر على

الخيال، وصار مفتاح سعادة البشرية هو تعظيم احتياجات المرء المادية في

هذه الحياة الدنيا، وليس تأجيل إشباعها في الجنة بعد الموت، متناسين أن

عِلّة وجود الدين تتمثل في حل المشكلات الجوهرية، وفي تقديم حلول

روحية وأخلاقية للمشكلات المادية، وفي الاستعداد للحياة بعد الموت،

وليس في الاستجابة لأنانية الإنسان، وجشعِه، ورغبتهِ في ممارسة الجنس

بلا قيود، وعشقِه للإشباع الفوري.

وفي أثناء ذلك، ما لا يمكن قياسه أو تحديد كميته أو ملاحظته

حُوِّلَ إلى شيء بائد. ومن هنا، حُوِّلَ الإله الغيبي المتعالي، الذي يقف على

الطرف الآخر من عا المادة وفيما وراء هذا العا ولا يخضع للحقائق

التي يمكن إثباتها تجريبيّاً، إلى شيء لا قيمة له، وطُرِدَ الدين بصفته نتاجاً

لتجارب ومخاوف طفولية. ونتج عن ذلك فقدان كبير ومأساوي للإيمان

حتى وصل الأمر بعا اللاهوت الأمريكي هارفي كوكس أن يعلن في

كتابه الأكثر مبيعاً )المدينة العلمانية( موتَ الإله وتأليهَ البشرية، من دون

الإله المتعالي.

ومع ذلك، فإن الإحصائيات أقوى من البيانات؛ فقد يكون العا الجديد الجَسُور للأرثوذوكسية الغربية المتجسدة في العقلانية العلمية

والمذهب الإنساني العلماني قد نجحَ، إلى حد ما، في إزالة كلٍّ من الإله

والدين من وعينا المباشر، ولكنه لم ينجح في إزالة معاناة البشر والظلم

والعنف. في الواقع، شُنتَّْ بعض أسوأ الحروب في تاريخ البشر تحت

لواء الأيديولوجيات العلمانية وتحت قيادة قادة مستبدين من أمثال

هتلر وموسوليني. وقد يقول البعض بأن آمال عصر التنوير ماتت في

أوشفيتس)وهو معسكر اعتقال نازي أقامه النازيون في بولندا أثناء الحرب

العالمية الثانية(، وفي شاعرية الاشتراكية والشيوعية في أثناء الثورة البلشفية

في عام 1917 ، وفي الثورة الصينية، وفي احتلال روسيا لأفغانستان، وفي

رونق الرأسمالية والعلم في أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية.

علاوة على ذلك، خلقت الأفكارُ الإلحادية المتراكمة من القرون

القليلة الماضية المزيدَ من المشكلات المتأصِّلة، أي العدمية واللاهدف،

الأمر الذي سلبَ الإنسانَ القوة العظمى والهدف اللذين يمكن

استلهامهما من النظرة الدينية. وهذه المشكلات هي أكثر عبثاً والتباساً

من الإيمان بالإله وحكمته الكونية والحياة الهادفة.

إن البحث عن الخالق مترسِّخٌ في الطبيعة البشرية؛ لأنه بحثٌ عن

المعنى، وعن هدف الوجود. وتأليه البشرية ليس ح لهذا الحنين العام.

فالحلّ الحقيقي يكمن في الغيبي وغير القابل للوصف، والمتعالي الذي

يمثِّل مصدرَ الوجودِ والإجابةَ النهائية عن تَوْق البشرية للمعنى. إن

الحلّ الحقيقي لمعاناة البشرية وقلقها وحنينها يكمن في الاستجابة المناسبة

للمصدر المتعالي للوجود، وليس في القلق حول جوهره أو في مجرد الإيمان

بوجوده. فالدين تجربة ذاتية للغاية، ولذلك لا نَعْرِفُ الخالق من خلال

القياس، ولكن من خلال المشاعر والاتصال. وهذه الاستجابة تتطلب

الاندماج في كلِّيَّةِ وجودِنا، ومجموعةً من الممارسات الروحية، وأسلوبَ

حياةٍ وَرِعاً ومُلتَزَماً ومنظَّماً وأخلاقيّاً. وأسلوب الحياة المتراحم هذا هو

الذي سيمكِّنُ البشرية من أن تتحرر من قيود الأنانية والجشع والزهو

والمفهوم الضيِّق للهوية، حتى تعكس الوحدانية الله القدير من خلال

تعضيد وحدة البشرية والوجود والكون.

في عالم حافل بالعنف والظلم، ومعظمه يُرْتَكبُ باسم الله، تكمن

النجاة في إدراك مدى قيامنا نحن البشر منذ آلاف السنين بإعادة إنتاج

صورة الإله على صورتنا، وفي السماح لهذا الإدراك بأن يدفعنا لأن نسعى

إلى إعادة علاقة الإلهي/البشري إلى وضعها الصحيح، ولن يحدث هذا

إذا لم نفهم أولا كيف وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.

باختصار، يرى المؤلف أن التَوْق ما بعد الحداثي وما بعد العلماني لله

لن يلقى إشباعاً من خلال المفاهيم التجسيدية والتجسيمية التي تنتمي

لما قبل العصر الحديث عن الإلهي، فهذه المفاهيم أنزلت الإله إلى هذا

الكون، بوظيفة تاريخية محددة وموضع معين، الأمر الذي اختزله في كونه

مجرَّد إله، وجعل النفس تنتقص من الإحساس بالرهبة والتقديس الذي

لا بد أن تشعر به عند ذِكر الله، وهي التي خُلِقَتْ لتشعر به

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.