ملخص لرأي جمهور العلماء

ملخص لرأي جمهور العلماء

إن المانع الرئيسي عند هؤلاء الفقهاء من اتخاذ الحسابات الفلكية مصدراً موثوقاً لتحديد الشهور الإسلامية هو ما سأورده في النقاط التالية

النقطة الأولى: أن الرؤية البصرية هي التي تحدد دخول الشهور الإسلامية من عدم دخولها، خاصة شهر رمضان كما هو معتمد في الشريعة الإسلامية، على أن الرؤية البصرية فقط هي التي تضمن دقة تحديد دخول الشهر. لكن على ما يبدو فأن الرؤية البصرية بالنسبة لهؤلاء العلماء هي هدف بنفسها أي السبب الشرعي لدخول رمضان، وليست وسيلة لتحقيق الهدف الرئيسي ألا وهو الدقة في ابتداء الصوم وانتهائه. فهم عندما يذكرون كلمة الرؤية إنما يريدون

الرؤية بالعين المجردة, و يذهبون إلى أن الرأي القائم على اعتبار الرؤية البصرية أو إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً هما الطريقتان الوحيدتان لإثبات الشهر هو رأي أجمع عليه علماء السلف. وتكرر هذه المجموعة من علماء السلف أن الروايات النبوية التي تشير إلى اللجوء إلى الحساب للشهر في الجو الغائم يجب أن تفهم على ضوء الروايات التي تقول باكمال عدة الشهر ثلاثين. هذا الذي اعتبروه إجماع للأمة، في حين عرّف ابن تيمية الإجماع بما يلي:

"أن تجتمع علماء المسلمين على حكم من الاحكام وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن لأحد أن يخرج عن اجماعهم فان الأمة لا تجتمع على ضلالة".[1]

وقال أيضاً:

 "والتحقيق أن الاجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه".[2]

النقطة الثانية: إن الحسابات الفلكية هي عبارة عن مجرد افتراضات وتخمينات لا يمكن أن تهدينا إلى طريقة صحيحة لإثبات بدايات أو نهايات الشهور القمرية في السنة الإسلامية.

ونرى أن بعض علماء السلف كابن تيمية والجصاص قد تبنوا رأي الجمهور الرافض للحسابات الفلكية جملةً وتفصيلاً.

النقطة الثالثة: التعامل مع الحسابات الفلكية وحركة الأجرام السماوية هو من عمل السحرة ومدعي الغيب، وهو ما يشتد الإسلام في تحريمه كما يقول رسول الله:

"حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُسَدَّدٌ الْمَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنْ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَاد".َ[3]

كما روى أحمد أن النبي كان قد حذر سيدنا على بن أبي طالب (ر) من عدة أمور من ضمنها مجالسة المنجمين:

"حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَلِيُّ أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْكَ وَلَا تَأْكُلْ الصَّدَقَةَ وَلَا تُنْزِ الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ وَلَا تُجَالِسْ أَصْحَابَ النُّجُوم".ِ[4]

النقطة الرابعة: أن الاعتماد على الحسابات الفلكية أمر شاق على عامة الناس لأن البعض فقط هم الذين يستطيعون القيام به وخاصة في المدن الكبرى كما يرى النووي.

النقطة الخامسة: أن رسول الله منع المسلمين من التعامل مع الحسابات الفلكية في الأمور الشرعية كإثبات شهر رمضان، وذلك بقوله: "نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب".

ولكن من الناحية الأخرى فإن النبي طالب بالاعتماد على المشاهدة البصرية أو إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً، وهنا يرى بعض العلماء أن الرسول قد حظر على المسلمين استخدام الحسابات الفلكية منعاً من تشبههم بيهود المدينة الذين كانوا يعتمدونها في تحديد شهور سنتهم القمرية. وفي الواقع أن الذي بدأ التقويم اليهودي كان الحبر هيلل الثاني المتوفى (330-365م). حيث اعتمده اليهود بعد ذلك في المدينة. وبما أن الرسول منع المسلمين من التشبه باليهود عموماً، لذا فاستخدام الحسابات الفلكية لتحيد التقويم الإسلامي يدخل في هذا الاطار، ويأتي منعه تحت مبدأ عدم محاكاة اليهود أو التشبه بهم.

"حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِين".[5]

"حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ و حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلشَّهْرِ الثَّانِي ثَلَاثِينَ".[6]

النقطة السادسة: اتباع الحسابات الفلكية في أمور الدين كشهر رمضان وشوال أمر ينافي روح العبادة وخاصة عبادة الصوم ويؤثر فيها؛ ذلك لأنه يعارض الأوامر الواضحة للنبي (ص) حيث قال (ص): "لا تصوموا حتى تَرَوا الهلال، ولا تفطروا حتى تَرَوْه". إن النبي (ص) هنا قد استخدم صيغتي النفي والإثبات حيث قال (ص): "صوموا لرؤيته" وقال "لا تصوموا حتى تروه" تأكيداً على المسلمين في استخدام أساليبهم الخاصة بهم دون اللجوء إلى طرق اليهود في عباداتهم.

لهذا فهؤلاء العلماء يرون أن المسلمين الذين يعارضون أوامر النبي، ويبدؤون الصيام معتمدين على الحسابات الفلكية يجب عليهم قضاء الأيام التي صاموها تبعاً لتلك الحسابات.

النقطة السابعة:  الكلمة العربية التي تطلق على القمر الجديد هي الهلال، والمعنى اللغوي لكلمة هلال أنه يعكس الضوء ويكون منيراً وليس قاتماً. فهو منير بحيث تراه العين البشرية، لذا فإننا لا نستطيع أن نبدأ الشهر حتى نرى القمر الجديد. هذا الرأي مستند على المعنى اللغوي لكلمة هلال.

وأورد ابن منظور التعريف التالي لكلمة هلال:

"والهِلال : غرة القمر حين يُهِلُّه الناسُ فـي غرة الشهر، وقـيل: يسمى هِلالا للـيلتـين من الشهر ثم لا يسمَّى به إِلـى أَن يعود فـي الشهر الثانـي، وقـيل: يسمى به ثلاث لـيال ثم يسمى قمراً؛ وقـيل: يسماه حتـى يُحَجِّر، وقـيل: يسمى هِلالا إِلـى أَن يَبْهَرَ ضوءُه سواد اللـيل. وهذا لا يكون إِلا فـي اللـيلة السابعة".[7]

 

[1]- مجموع الفتاوى ج.4, ص.233

[2]- مجموع الفتاوي, ج.4, ص.222

[3]- أبو داود, سنن أبو داود, المكتبة الشاملة, ج. 10, ص. 412

- مسند أحمد, المكتبة الشاملة, ج. 2, ص.55[4]

- البخاري, صحيح, ج.6, ص.487[5]

- صحيح مسلم, ج. 5, ص.351[6]


-    جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي، لسان العرب، المكتبة الشاملة, ج.11, ص. 701[7]

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.