مناقشة أدلة الجمهور

مناقشة الأدلة

إن الآية القرآنية الآتية تفسَّر عادة على أنها تعني الرؤية البصرية بالعين المجردة

 "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ"

ولكن يقول أحمد بن فارس في مقياس اللغة أن المعنى اللغوي لكلمة (شهد) هو الحضور والعلم والإعلام:

"شهد الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور وعلم وإعلام، لا يخرُج شىءٌ من فروعه عن الذي ذكرناه"[1]

لغوياً فإن العبارة القرآنية سالفة الذكر لا يمكن أن تخرج عن أحد المعاني الثلاثة التالية:

أولاً: على كل من كان حاضراً في شهر رمضان صيامه.

ثانياً: على كل من علم بحلول شهر رمضان صيامه.

ثالثاً: على كل من أعلم بحلول شهر رمضان صيامه.

ولا يمكن بأي وجه من الوجوه أن تفسر الآية السابقة أنه على كل من رأى هلال شهر رمضان صيامه.

التفسير على هذا النحو سيكون مخالفاً لكل القواعد العربية. ولهذا فإن المفسرين قاموا بتفسير الآية السابقة كالتالي:

(على كل من حضر شهر رمضان صيامه).

والقرآن الكريم استخدم ذات الكلمة (شهد) بمعانيها الثلاثة السالفة الذكر:

"شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ". (البقرة:18)

الله لا يشهد بالعين المجردة تعالى عن ذلك علواً كبيراً، ولا حتى الملائكة. لكن شهادة الله ههنا معناها

أن الله بيّن لخلقة وأعلَم. وقد شرح جلال الدين السيوطي هذا المعنى كالتالي:

"شَهِدَ ٱللَّهُ } بـيَّن لخلقه بالدلائل والآيات".[2]

فشهد معناها هنا أنه سبحانه وتعالى شرح لخلقة بالآيات والدلائل (أنه واحد لا إله إلا هو).

واستخدمت الكلمة نفسها (شهد) بما يتعلق بأعضاء وحواس بشرية مثل السمع والبصر، على أنني متأكد أن المعنى هنا لا يحتمل أن تكون الشهادة هي رؤية بالعين البشرية:

"حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ". (فصلت:20)

فكما نرى من الآية السابقة أن شهادة السمع والبصر والجلد قد عبر عنها القرآن الكريم بكلمة (شهد). ولا يمكن لأحد أن يقول أن هذه الأعضاء أو الحواس سوف تشهد بعينها البشرية إذ ليس لها عين بشرية، ولكن هذا يعني أنها سوف تشرح أو تعلم أو تخبر عما فعله العبد في حياته.

أما في الأية الكريمة الأخرى فإننا نرى معنى آخر لكلمة (شهد) ألا وهي شهادة الحق.

"وَ لا يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَـٰعَةَ إِلا مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (الزخرف:86)

فهنا نقول مرة أخرى أن شهادة الحق لا يمكن أن تكون شهادة بالعين البشرية المجردة. فالحق ليس مادة ملموسةً يمكن مشاهدتها بالعين المجردة. بل نرى أنه من الوضوح بمكان أن المعنى وراء كلمة (شهد) في هذه الأية هو الوقوف مع الحق، أي إلى جانب الحق، وقد يحتمل المعنى أن يكون معرفة الحق بإخلاص، ولكن ليس المقصود هنا الرؤية بالعين البشرية المجردة على أي حال.

وعلى ضوء هذه الآية الكريمة، وبالأخذ بعين الاعتبار المعنى اللغوي للكلمة قام مفسروا القرآن الكريم بتفسير أية الصيام في سورة البقرة على النحو التالي: أنه من كان حاضراً وقت دخول شهر رمضان ولم يكن مسافراً أو مريضاً فعليه صوم رمضان.

كما أورد الإمام أبو عبد الله القرطبي أن هناك عدداً من الصحابة مثل على بن أبي طالب كرم الله وجهه، وابن عباس، والسيدة عائشة كانوا يذهبون إلى أن معنى كلمة (شهد) الواردة في آية الصيام هو حضور الشهر أي أن يكون الشخص حاضرا:ً

 "فقال عليّ ٱبن أبي طالب وابن عباس وسُوَيد بن غَفَلَة وعائشة أربعة من الصحابة وأبو مِجْلَز لاحق بن حُميد وعَبيدة السَّلْمانِيّ: من شهد أي من حضر دخول الشهر وكان مقيماً في أوله في بلده وأهله فليكمل صيامه.…، ومن أدركه حاضراً فليصمه".[3]

قال الحافظ ابن كثير:

"فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُۖ } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح، ورخص فيه للمريض والمسافر".[4]

وقد أورد ابن كثير في مكان آخر المعنى نفسه؛ أي أن الكلمة تعني الحضور: "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُۖ } هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر، أي كان مقيماً في البلد حين دخل شهر رمضان، وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة".[5]

وقال جلال الدين السيوطي أن شهد معناها حضر. "فَمَن شَهِدَ } حضر".[6]

 وذكر الإمام النسفي كذلك أن الشهادة معناها الحضور: "{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُۖ } [البقرة:185] فمن كان شاهداً أي حاضراً مقيماً غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر".[7]

وكان هذا هو أيضاً رأي الإمام الشوكاني: "أي: حضر، ولم يكن في سفر بل كان مقيماً".

وعليه كان رأي الإمام فخر الدين الرازي: "{ شَهِدَ } أي حضر والشهود الحضور".[8]

ويقول أيضاً: "أن شهود الشهر بماذا يحصل؟ فنقول : إما بالرؤية وإما بالسماع".[9]

إذاً علمنا كيف أن معنى كلمة (شهد) في الآية الكريمة هو حضر، ولا يوجد أي رأي آخر في تفسير معنى كلمة (شهد) في هذه الآية، كما أن السياق اللغوي في الآية يدعم هذا التفسير حيث أن عبارة (فمن شهد.....) تؤيد معنى (من حضر الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فإنه يقضي تلك الأيام). شرح ذلك الإمام الألوسي:

"ولا يحسن أن يقال من علم الهلال فليصم ومن كان مريضاً أو على سفر فليقض لدخول القسم الثاني في الأول والعاطف التفصيلي يقتضي المغايرة بينهما…ولذا ذهب أكثر النحويين إلى أن الشهر مفعول به ـ فالفاء ـ للسببية أو للتعقيب لا للتفصيل".[10]

قال الإمام الألوسي هنا أن العبارة في الآية الكريمة لا يمكن أن تتعدى أحد معنيين؛ فهي إما تعني الحضور شخصياً أو بالمعرفة. والمعنى لا يذهب إلى الرؤية بالعين المجردة للهلال سواءً أخذنا كلمة (الشهر) على أنها مفعول به أو مفعول فيه. "{ شَهِدَ } من الشهود والتركيب يدل على الحضور إما ذاتاً أو علماً، وقد قيل: بكل منهما هنا".[11]

ورأى الرازي أيضاً أنه على أي حال كان فإن المعنى سيكون الحضور وليس الرؤية بالعين البشرية المجردة للهلال الجديد. "ثم ههنا قولان: أحدهما: أن مفعول شهد محذوف لأن المعنى: فمن شهد منكم البلد أو بيته بمعنى لم يكن مسافراً وقوله: { ٱلشَّهْرُ } انتصابه على الظرف وكذلك الهاء في قوله: { فَلْيَصُمْهُۖ } . والقول الثاني: مفعول { شَهِدَ } هو { ٱلشَّهْرُ } والتقدير: من شاهد الشهر بعقله ومعرفته فليصمه وهو كما يقال: شهدت عصر فلان، وأدركت زمان فلان".[12]

إن من المعتاد عند العرب استخدام كلمة (الشهادة) على أنها الحضور فهم يقولون: (شهدت صلاة الجمعة أو الحج) ومن المعروف أن كلاًًّ من صلاة الجمعة والحج ليسا مما هو مادي يرى بالعين المجردة، لذا من الواضح أن المعنى هنا هو حضور صلاة الجمعة أو حضور الحج في السنة كذا وكذا.

والمناقشة السالفة تؤدي بنا إلى النتيجة الحتمية بأن شهود شهر رمضان هو السبب الشرعي الحقيقي لوجوب صيام رمضان وليست الرؤية. فالرؤية هي وسيلة لتحقيق هذا السبب وهو دخول شهر رمضان ليس إلاّ.

يحاول بعض المسلمين المعاصرين _لسوء الحظ_ أن يفرضوا رأيهم على النص القرآني، وأن لا يسمحوا للنص أن يتكلم إليهم. إنهم يحاولون إسقاط فهمهم الخاص على النص بشكل تعسفي، ثم يقدمونه على أنه التفسير الصحيح للحكم القرآني. والآية الكريمة التي بين أيدينا هي مثلٌ حيٌ وصارخٌ على هذا الأمر كيف أن بعض المسلمين المعاصرين يفرضون فهمهم ويسحبونه على النص الإلهي على أن القرآن يقول ما يرونه صحيحاً، والمفروض أن يكون العكس، وأن يكون القرآن الكريم هو الأصل، وأن يكون رأيهم وتفسيرهم تبعاً له.

"وعن ٱبن أبي مليكة قال: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن تفسير حرف من القرآن فقال: أيّ سماء تُظِلّني ، وأيّ أرض تُقِلّنيٰ وأين أذهبٰ وكيف أصنعٰ إذا قلت في حرف من كتاب الله بغير ما أراد تبارك وتعالى".[13]

إن أبا بكر الصديق كان قد سئل عن تفسير كلمة بسيطة في القرآن وغير مرتبطة بحكم شرعي، ولكنه أبى وخشي أن يقول ماليس بمتأكد منه، فكيف يسمح بعض الناس لأنفسهم أن يغيروا تفسير كلمة في القرآن ويفسروها على هواهم دون التدقيق في المعنى المقصود. أعاذنا الله والمسلمين من أن نقول على الله ماليس لنا به نعلم.

وإذا قلنا أننا نذهب إلى ما ذهب إليه هؤلاء المسلمين المعاصرين بأن الشهود هو رؤية بصرية بالعين المجردة فعندها يبرز لنا عدة أسئلة؛ إذ هل على كل من يرى الهلال في رمضان أن يصوم؟ فكيف إذاً بالمريض أو الطفل الذي لم يكلّف أو الحامل أو المسافر أو المرأة المسنة؟ فهل عليهم أن يصوموا جميعاً في ما إذا رأوا الهلال بالعين المجردة؟

ومن الناحية الأخرى: إذا أخذنا معنى (شهد) أي بالعين المجردة للإنسان فإن ذلك يؤدي إلى أن كل من لم يشاهد الهلال بعينه المجردة لا يصوم، وعادة تكون قلة من الناس من ترى الهلال، والله لم يقل فمن شهد منكم الشهر فليصم كل أهل القرية أو المدينة، ولو أراد الله هذا لقاله وهو على ذلك إذا يشاء قدير.

إذاً هذا يقودنا إلى خلط كبير في  صيام الشهر. لذا فسر أبو سعود وكشاف وسمرقندي وكل المفسرون تقريباً أن المعنى هنا هو (الحضور).

لكن بعض الفقهاء فسروا كلمة (شهد) _في ضوء الأحاديث التي تقول بالرؤية البصرية بالعين المجردة لهلال شهر رمضان_ على أن الشهادة هنا هي الرؤية البصرية كما في الحديث الآتي:

"حدّثنا آدمُ حدَّثَنا شُعبةُ حدَّثَنا محمدُ بنُ زيادٍ قال: سمعتُ أبا هُريرةَ رضيَ اللّهُ عنهُ يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ـ أو قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ـ «صُوموا لِرُؤْيتهِ وأفطِروا لرُؤيته، فإن غُبِّيّ عليكم فأكملوا عِدَّةَ شَعبانَ ثلاثين».

أبو بكر الجصاص ذهب إلى أنه في ضوء تلك الأحاديث يمكن لنا أن نقول أن شهود الشهر هو الرؤية البصرية. ولكنه لم يقل إطلاقاً أن الآية الكريمة في سورة البقرة، وكلمة (شهد) فيها تعنى هذا فقط. وهو لم يقل إطلاقاً أن رؤية الهلال بالعين المجردة هو التفسير الصحيح الوحيد للآية. هذا هو رأيه في فهم الآية وفي كيفية شهود الشهر وليس هو تفسيراً للآية.حتى وإن كان تفسيرا للآية فهو تفسير مخالف للتفاسير الأخرى الواردة في معنى هذه الآية. ويقول الجصاص بنفسه في أمكنة كثيرة أخرى بأن الشهود هو الحضور:

 "وقَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ } يَعْتَوِرُهُ مَعَانٍ ، مِنْهَا : مَنْ كَانَ شَاهِدًا يَعْنِي مُقِيمًا غَيْرَ مُسَافِر".[14]

كما يوضح أيضاً: "وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى شَاهِدِ الشَّهْرِ أَيْ عَلِمَهُ ، وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ } فَمَنْ شَهِدَهُ بِالتَّكْلِيفِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فِي حُكْمِ مَنْ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي انْتِفَاءِ لُزُومِ الْفَرْضِ عَنْهُ ، فَأَطْلَقَ اسْمَ شُهُودِ الشَّهْرِ عَلَيْهِمْ ، وَأَرَادَ بِهِ التَّكْلِيفَ".[15]

ويلخص الجصاص المعاني الثلاثة لكلمة "شهد"  والأحكام المستندة إليها في العبارة التالية:

"وَالْأَحْكَامُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ قَوْلِهِ : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } إلْزَامُ صَوْمِ الشَّهْرِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ شَاهِدًا لَهُ ، وَشُهُودُ الشَّهْرِ يَنْقَسِمُ إلَى أَنْحَاءٍ ثَلَاثَةٍ : الْعِلْمُ بِهِ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : شَاهَدْتُ كَذَا وَكَذَا ؛ وَالْإِقَامَةُ فِي الْحَضَرِ ، مِنْ قَوْلِكَ : مُقِيمٌ وَمُسَافِرٌ وَشَاهِدٌ وَغَائِبٌ ؛ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ عَلَى مَا بَيَّنَّا".[16]

ولذا يجب علينا أن نفهم رأي الجصاص وغيره والمطالب برؤية الهلال لإثبات الشهر في سياق المعاني المذكورة آنفا. فقوله:"فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ هِيَ شُهُودُ الشَّهْر",[17] لا بد وأن يفهم في هذا السياق. وكذلك قول الإمام أبي بكر ابن العربي: "قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } : مَحْمُولٌ عَلَى الْعَادَةِ بِمُشَاهَدَةِ الشَّهْرِ ، وَهِيَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } .وَقَدْ زَلَّ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ فَقَالَ : يُعَوَّلُ عَلَى الْحِسَابِ بِتَقْدِيرِ الْمَنَازِلِ ، حَتَّى يَدُلَّ مَا يَجْتَمِعُ حِسَابُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحْوٌ لَرُئِيَ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } .مَعْنَاهُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَأَكْمِلُوا الْمِقْدَارَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا } .وَفِي رِوَايَةٍ : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا صَوْمَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَقَدْ زَلَّ أَيْضًا بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَحَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : يُعَوَّلُ عَلَى الْحِسَابِ وَهِيَ عَثْرَةٌ لَا لَعًا لَهَا".[18]

و نختم هذا الجزء من بحثنا بكلام الإمام والمجتهد المالكي أبو العباس شهاب الدين القرافي الذي يقول:

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ ؛ لِأَنَّ شَهِدَ لَهَا ثَلَاثُ مَعَانٍ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ وَمِنْهُ شَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ ، وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَشَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَعْلَمُهُ ، وَشَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أَيْ عَلِيمٌ وَهُوَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى حَضَرَ قَالَ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ فَمَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَيْ حَاضِرًا مُقِيمًا احْتِرَازًا مِنْ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ ، وَإِذَا كَانَ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ لَا بِمَعْنَى شَاهَدَ وَرَأَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِسَابِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحُضُور فِي الشَّهْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْحِسَابِ[19]

 

 

[1] -- أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي أبو الحسين، مقاييس الغة، المحقق عبد السَّلام محمد هَارُون، دمشق, اتحاد الكتاب العرب
الطبعة، 1423 هـ ، 2002م.

[2]- جلال الدين السيوطي، تفسير الجلالين، المكتبة الشاملة, ج.1, ص.310

 

 

[3] - أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطي، الجامع لأحكام القرآن الكريم، المكتبة الشاملة, ج.2، ص.299

[4] - عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمرو البصري ثم الدمشقي, ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، المكتبة الشاملة, ج.1، ص.499

[5] - ابن كثير, تفسير, ج.1, ص.503

[6]- السيوطي, الجلالين, ج.1, ص. 191

[7]- عبدالله بن أحمد بن محمود حافظ الدين أبو البركات النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، المكتبة الشاملة, ج.1, ص.95

[8] -  فخرالدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، مفاتيح الغيب، المكتبة الشاملة, ج.3, ص.102

[9]- أيضاً: ج.3، ص.103.

   [10]شهاب الدين محمود ابن عبدالله الحسيني الألوسي،  روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, المكتبة الشاملة,ج.2, ص.129 

[11]- أيضا

[12]- فخرالدين الرازي, تفسير,ج.3, ص. 102

[13]- القرطبي, تفسير, ج. 1, ص.34

[14]- الجصاص، أحكام, ج.1، ص.456.

[15]- أيضاً.

[16]- الجصاص أحكام, ج.1، ص.496.

[17]- الجصاص, ج.1, ص.498

[18] -أبو بكر ابن العربي، أحكام القرآن، ج.1، ص.152.

[19] - القرافي, الفروق, ج.4، ص.139-140.

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.