مناقشة قول الجمهور بأن الأهلة هي مواقيت للناس

مناقشة قول الجمهور بأن الأهلة هي مواقيت للناس

ذهب الجصاص مثلا إلى أن الآية القرآنية التالية تعلق حكم الصيام برؤية الأهلة

"قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } فَعَلَّقَ الْحُكْمَ فِيهِ بِرُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ".[1]

يلخص الجمهور من هذا الإستدلال بأن الهلال أمر مشهود مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ لا بد من رؤيته لبداية صيام شهر رمضان.

ولكننا نقول بأن الآية لا تدل على أن الرؤية المجردة هي الواجبة لإثبات الشهور:

يقول الألوسي في سبب نزول هذه الآية: "أخرج ابن عساكر بسند ضعيف أن معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنم قالا : يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد؟ فنزلت ، وفي رواية أن معاذاً قال : يا رسول الله إن اليهود يكثرون مسألتنا عن الأهلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فيراد بالجمع على الرواية الأولى ما فوق الواحد أو ينزل الحاضرون المترقبون للجواب منزلة السائل وظاهره المتبادر على الرواية الثانية بناءاً على أن سؤال اليهود من بعض أصحابه بمنزلة السؤال منه صلى الله عليه وسلم إذ هو طريق علمهم ومستمد فيضهم".[2]

ثم يوضّح الألوسي كلمة الهلال قائلاً: "والأهلة جمع هلال واشتقاقه من استهل الصبي إذا بكى وصاح حين يولد ومنه أهل القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية ، وسمي به القمر في ليلتين من أول الشهر ، أو في ثلاث أو حتى يحجر وتحجيره أن يستدير بخط دقيق وإليه ذهب الأصمعي أو حتى يبهر ضوءه سواد الليل ، وغيا ذلك بعضهم بسبع ليال وسمي بذلك لأنه حين يرى يهل الناس بذكره أو بالتكبير؛ ولهذا يقال : أهلّ واستهل ولا يقال هلّ".[3]

ضعف الحجة المتعلقة بمعنى كلمة "الهلال" في اللغة

إنّ إعطاء كلمة (الهلال) معنى القمر الجديد لأول ليلتين أو ثلاث من الشهر نابع من العرف، وليس تعريفاً لغوياً صحيحاً باعتماد جذر الكلمة. فالمعنى اللغوي الأصلي لكلمة (هلال) لا يعتمد على معنى الضوء أو الرؤية؛ يقول محمد بن يعقوب الفيروزآبادي:

"الهِلالُ غُرَّةُ القَمَرِ أو لِلَيْلَتَيْنِ أو إلى ثلاثٍ أو إلى سبعٍ، ولِلَيْلَتَيْنِ من آخِرِ الشهرِ، سِتٍّ وعشرينَ وسبعٍ وعشرينَ، وفي غيرِ ذلك قَمَرٌ، والماءُ القليلُ، والسِنانُ، والحَيَّةُ، أو الذَّكَرُ منها، وسِلْخُها، والجَمَلُ المَهْزول ُ … والغُبارُ، … والغلامُ الجميلُ، …والحِجارةُ المَرْصوفَةُ …والدُّفْعَةُ من المَطَرِ ج أهِلَّةٌ وأهالِيل".ُ  [4]

 وكلمة (هلال) مشتقة من الجذر (هلل) كما يشرح ابن منظور، هلل:  هَل السحابُ بالـمطر وهَل الـمطر هَلاًّ وانْهَل بالـمطر انْهِلالاً واسْتَهَل : وهو شدَّة انصبابه. وفـي حديث الاستسقاء: فأَلَّف الله السحاب وهَلَّتنا . قال ابن الأَثـير: جاء فـي رواية لـمسلـم، يقال: هَل السحاب إِذا أَمطر بشدَّة، والهِلال الدفعة منه، وقـيل: هو أَوَّل ما يصيبك منه، والـجمع أَهِلَّة علـى القـياس، وأَهالـيل نادرة. وانْهَل الـمطر انْهِلالا : سالَ بشدَّة، واستهلَّت السماءُ فـي أَوَّل الـمطر، والاسم الهِلالُ. وقال غيره: هَلَّ السحاب إِذا قَطَر قَطْراً له صوْت، وأَهَلَّه الله؛ ومنه انْهِلال الدَّمْع وانْهِلال الـمطر؛ قال أَبو نصر: الأَهالِـيل الأَمطار[5]

من خلال ماتقدم نرى أن جذر كلمة (هلال) يتضمن في الأصل معنيين، المعنى الأول هو بداية الشئ وأوله، والمعنى الثاني هو رفع الصوت.

كما يقول ابن منظور:

"انهلَّت السماءُ إِذا صبَّت، واستهلَّت إِذا ارتفع صوتُ وقعها، وكأَنَّ اسْتِهلال الصبـيّ منه. وفـي حديث النابغة الـجعديّ قال: فنَـيَّف علـى الـمائة وكأَنَّ فاهُ البَرَدُ الـمُنْهَل ؛ كل شيء انصبَّ فقد انْهَل ، يقال: انهلَّ السماء بالـمطر ينهلُّ انْهِلالاً وهو شدَّة انْصِبابه. قال: ويقال هلَّ السماء بالـمطر هَلَلاً، ويقال للـمطر هَلَلٌ وأُهْلول . والهَلَل : أَول الـمطر. يقال: استهلَّت السماء وذلك فـي أَول مطرها. ويقال: هو صوت وَقْعِه. واستهل الصبـيُّ بالبُكاء: رفع صوته وصاح عند الوِلادة. وكل شيء ارتفع صوتُه فقد استهلَّ. والإِهْلال بالـحج: رفعُ الصوت بالتَّلْبـية. وكلُّ متكلـم رفع صوته أَو خفضه فقد أَهَلَّ واستهلَّ وفـي الـحديث: الصبـيُّ إِذا وُلِد لـم يُورَث ولـم يَرِثْ حتـى يَسْتَهِل صارخاً. وفـي حديث الـجَنِـين: كيف نَدِي مَن لا أَكَل ولاشَرِبَ ولا اسْتَهَل".[6]

أي عندما تمطر السماء بصوت عال، أو عندما يتكلم الرجل بصوت عال، أو يبكي الطفل بصوت عال، كلها تشير إلى نفس الجذر. هذا المعنى اللغوي للكلمة ظهر في عدد من الأحاديث الشريفة.

"وأَصله رَفْعُ الصَّوت. وأَهَلَّ الرجل واستهلَّ إِذا رفع صوتَه. وأَهَلَّ الـمُعْتَمِرُ إِذا رفع صوتَه بالتَّلْبِـية، وتكرر فـي الـحديث ذكر الإِهْلال، وهو رفعُ الصوت بالتَّلْبِـية. أَهَلَّ الـمـحرِمُ بالـحج يُهِلُّ إِهْلالاً إِذا لَبَّى ورفَع صوتَه. والـمُهَل ، بضم الـميم: موضعُ الإِهْلال ، وهو الـميقات الذي يُحْرِمون منه، ويقع علـى الزمان والـمصدر. اللـيث: الـمُـحرِمُ يُهِل بالإِحْرام إِذا أَوجب الـحُرْم علـى نفسه؛ تقول: أَهَل بحجَّة أَو بعُمْرة فـي معنى أَحْرَم بها، وإِنما قـيل للإِحرام إِهْلال لرفع الـمـحرِم صوته بالتَّلْبـية. والإِهْلال : التلبـية، وأَصل الإِهْلال رفعُ الصوتِ. وكل رافِعٍ صوتَه فهو مُهِلّ".[7]

وأظهر ابن منظور أن أصل كلمة (هلال) هو (ارتفاع الصوت). والفعل ذاته استخدم ليعبر عن الشخص الذي علا صوته. وكل شئ يعلو صوته يمكن لنا أن نقول عنه (مهلل). وقد توصل ابن المنظور إلى أن المعنى الأصلي للكلمة يأتي من ارتفاع الصوت فيقول:

"قال أَبو العباس: وسمي الهلالُ هِلالاً لأَن الناس يرفعون أَصواتهم بالإِخبار عنه".[8]

ويقول أبو حيان الأندلسي:

"وسمي هلالاً لارتفاع الأصوات عند رؤيته من قولهم : استهل الصبي ، والإهلال بالحج ، وهو رفع الصوت بالتلبية ، أو من رفع الصوت بالتهليل عند رؤيته".[9]

كذلك قول جارالله الزمخشري:

"وأهلّوا الهلال واستهلّوه: رفعوا أصواتهم عند رؤيته، وأهلّ الهلال واستهلّ إذا أبصر. وأهلّ الصبيّ واستهلّ إذا رفع صوته بالبكاء. وانهلّت السماء بالمطر واستهلّت وهو صوت المطر. وتهلّل السحاب بالبرق: تلألأ".[10]

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وَذَلِكَ أَنَّ الْهِلَالَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ . وَمِنْ أَصَحِّ الْمَعْلُومَاتِ مَا شُوهِدَ بِالْأَبْصَارِ وَلِهَذَا سَمَّوْهُ هِلَالًا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ تَدُلُّ عَلَى الظُّهُورِ وَالْبَيَانِ : إمَّا سَمْعًا وَإِمَّا بَصَرًا كَمَا يُقَالُ : أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَأَهَلَّ بِالذَّبِيحَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ وَيُقَالُ لِوَقْعِ الْمَطَرِ الْهَلَلُ . وَيُقَالُ : اسْتَهَلَّ الْجَنِينُ إذَا خَرَجَ صَارِخًا . وَيُقَالُ : تَهَلَّلَ وَجْهُهُ إذَا اسْتَنَارَ وَأَضَاءَ . وَقِيلَ : إنَّ أَصْلَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ . ثُمَّ لَمَّا كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ سَمَّوْهُ هِلَالًا".[11]

ويذكر الحافظ ابن حجر:

"قَالَ الطَّبَرِيُّ : الْإِهْلَال هُنَا رَفْع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ وَكُلّ رَافِع صَوْته بِشَيْءٍ فَهُوَ مُهِلّ بِهِ ، وَأَمَّا أَهَلَّ الْقَوْم الْهِلَال فَأَرَى أَنَّهُ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتهمْ عِنْدَ رُؤْيَته".[12]

وعليه فإنه ينبغي أن يكون من الواضح الآن أن المعنى الأصلي لكلمة (هلال) مرتبط بالعلامة الأولى لظهور الشئ مع ارتفاع في الصوت، وليس مع ضياء ولمعان القمر الجديد. إذاً سمّي القمر الجديد (هلالاً) لأنه العلامة الأولى لولادة القمر يصاحبه ارتفاع صوت الناس عندما يرونه مخبرين الآخرين بولادة الشهر الجديد؛ ولم يكن هناك من طريقة متاحة للناس في تلك الأزمنة إلا الرؤية بالعين المجردة، لهذا السبب كانوا يعرفونه على أنه شئ يرى وليس يعلم. وأبعد من ذلك، فإن المعنَييين اللذين ذكرناهما سابقاً للهلال ينطبقان تماماً على الأيام الأولى لولادة القمر. لهذا، فإن القمر الجديد سمي (هلالاً)؛ ولو كان إطلاق كلمة (هلال) على القمر الجديد بسبب ضيائه، وبسبب رؤيتنا له لكان من الأولى إطلاق هذا الاسم على القمر المكتمل لأنه أكثر ضياءً، وأكثر نوراً، وأكثر ظهوراً للناس.

فالتعريف النابع من العرف يقبل التغيير بتغير الزمان وتغيير العرف كما يقوله الفقهاء:

"إنَّ الْأَحْكَامَ الَّتِي تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ هِيَ الْأَحْكَامُ الْمُسْتَنِدَةُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ تَتَغَيَّرُ احْتِيَاجَاتُ النَّاسِ ، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا التَّغَيُّرِ يَتَبَدَّلُ أَيْضًا الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَبِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ…  ، بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنِدَةِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَمْ تُبْنَ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّر".ُ[13]

ويضيف الآفندي:

"عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ : إذَا تَعَارَضَ النَّصُّ وَالْعُرْفُ يُنْظَرُ فِيمَا إذَا كَانَ النَّصُّ مَبْنِيًّا عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَمْ لَا ؟ فَإِذَا كَانَ النَّصُّ مَبْنِيًّا عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ تُرَجَّحُ الْعَادَةُ وَيُتْرَكُ النَّصُّ" .[14]

إذاً فالقمر الجديد الذي ليس له ضياء عند الولادة يمكن أن نسميه (هلالاً)، كذلك الحال إذا استطعنا تعيين القمر الجديد بالحسابات الفلكية وأخبر الناس عنه وتكلموا ورفعوا أصواتهم يمكن لنا أن نسميه (هلالاً) أيضاً.

الأدعية المسنونة عند رؤية الهلال أساسها الروايات الضعيفة

لقد استند بعض العلماء المعاصرين في تمسكهم بالرؤية البصرية على أحاديث نبوية ورد فيها بعض الأدعية عند رؤية الهلال، فقالوا أن توجيه النبي لنا كي نقول هذه الأدعية عند رؤية الهلال هو دليل على أن الرؤية البصرية واجبة للابتداء بالشهور الإسلامية. إلا أننا إذا تتبّعنا أسانيد الأحاديث الواردة في هذا الباب نجدها أحاديث ضعيفة لا يمكن البناء عليها في الأحكام الشرعية الواجبة.

"حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا".[15]

"حدثنا عبد الله حدَّثني أبي ثنا أبو عامر ثنا سليمان بن سفيان المدايني حدَّثني بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال : اللهم أَهِلَّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله »[16]

ويروي أبو داود كذلك الرواية التالية:

"حدثنا مُحَمَّدُ بنُ الْعَلاَءِ أَنَّ زَيْدَ بنَ حُبَابٍ أخبرهم عن أَبِي هِلاَلٍ عن قَتَادَةَ ،: « أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلاَلَ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُ ».[17]

ثم "قَالَ أبُو دَاوُدَ: لَيْسَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هٰذَا الْبَابِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ".[18]

يقو ل ابن العربي:

"َمَّا إنَّهُ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَةَ بَلاغًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ: أَحَدُهُمَا: {أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى الْهِلالَ أَعْرَضَ عَنْهُ} . الثَّانِي: {أَنَّهُ كَانَ إذَا رَآهُ قَالَ: هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْت بِاَلَّذِي خَلَقَك ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا} . قَالَ الْقَاضِي: وَلَقَدْ لُكْته فَمَا وَجَدْت لَهُ طَعْمًا. وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ زَوْجِ الْحُرَّةِ أَنْبَأَنَا النَّجِيُّ ،

أَنْبَأَنَا ابْنُ مَحْبُوبٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ سَوْرَةَ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، أَنْبَأَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ الْمَدَنِيُّ، أَنْبَأَنَا بِلالُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ {أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ  {أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ} . قَالَ ابْنُ سَوْرَةَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ".[19]

كما يخبرنا ملا علي قاري: "رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب".[20]

أما بالنسبة لأدعية النبي عند رؤية الهلال فهذه الأحاديث لا تعني أن بداية الشهر مرتبطة فقط بالرؤية، فإنه يمكن لنا أن نبدأ الشهر عند ولادة القمر، وندعو بأدعيتة النبي عند أول رؤيتنا للهلال حتى ولو كان في اليوم التالي. ومن المعلوم أن هذه الأحاديث هي أحاديث ضعيفة لا يُعتّد بها إلا في فضائل الأعمال كما قال البعض، لذا فإننا نستطيع أن نقول الأدعية عند أول رؤيتنا للهلال.

 

سبب نزول آية الأهلة

كما قلنا آنفاً بأن الأدعية المذكورة في الأحاديث عند رؤية الهلال لا تثبت أن الرؤية هي السبب الشرعي الوحيد للتّيقن من دخول الشهر، فكذلك الحال بالنسبة لآية الأهلة.

وقيل في سبب نزول آية الأهلة: "أنه في أول الإسلام كان إذا أحرم الرجل منهم فإن كان من أهل المدن نقب في ظهر بيته منه يدخل ويخرج ، أو يتخذ سلماً يصعد منه سطح داره ثم ينحدر ، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء ، فقيل لهم : ليس البر بتحرجكم عن دخول الباب ، ولكن البر من اتقى".[1]

وقيل أيضا

" أن أهل الجاهلية إذا أحرم أحدهم نقب خلف بيته أو خيمته نقباً منه يدخل ويخرج إلا الحمس ، وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخيثم وبنو عامر بن صعصعة وبنو نصر بن معاوية ، وهؤلاء سموا حمساً لتشددهم في دينهم ، الحماسة الشدة ، وهؤلاء متى أحرموا لم يدخلوا بيوتهم ألبتة ولا يستظلون الوبر ولا يأكلون السمن والأقط ، ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كام محرماً ورجل آخر كان محرماً ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حال كونه محرماً من باب بستان قد خرب فأبصره ذلك الرجل الذي كان محرماً فاتبعه ، فقال عليه السلام : تنح عني ،

قال : ولم يا رسول الله؟ قال : دخلت الباب وأنت محرم فوقف ذلك الرجل فقال : إني رضيت بسنتك وهديك وقد رأيتك دخلت فدخلت فأنزل الله تعالى هذه الآية وأعلمهم أن تشديدهم في أمر الإحرام ليس ببر ولكن البر من اتقى مخالفة الله وأمرهم بترك سنة الجاهلية فقال : { وَأْتُواْ البيوت مِنْ أبوابها } فهذا ما قيل في سبب نزول هذه الآية".[2]

إن سياق الآية يشعر السامع وكأن الله يعنفهم على تغييرهم أوقات الحج وتأخيرها إلى شهور أخرى غير شهر ذي الحجة، وعلى أنهم يولون الاهتمام الأكبر لدخول البيوت من ظهورها مع أن هذا ليس من التقوى في شئ، وليس له أية علاقة بمناسك الحج. بل إن الله أراد منهم أن يؤدوا الحج في وقته الذي افترضه عليهم دون تغيير أو تبديل أو لعب في مواقيت الشهور باستخدامهم الحسابات الرياضية المجردة عن الأهلة، والموجودة في الزيجات، وأمرهم بالرجوع إلى المواقيت الأصلية لبدايات الشهور ونهاياتها، معتمدين في تحديدها على الأهلة  المفروضة من الله وليس اعتماداً على مصالحهم الدنيوية مثل مواسم التجارة والحرب. وقال الله أن ربط الشهور بالأهلة وخاصة شهر الحج هو أكثر أهمية وتقوى من بعض المظاهر التي يقومون بها كدخول البيوت من ظهورها.

يقول الإمام أبو عبدالله القرطبي

" أفرد سبحانه الحج بالذكر لانه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت، وأنه لا يجوز النسئ فيه عن وقته، بخلاف ما رأته العرب، فإنها كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور، فأبطل الله قولهم وفعلهم".[3]

ويقول الرازي

"كأنهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال الأهلة فقيل لهم : اتركوا السؤال عن هذا الأمر الذي لا يعنيكم وارجعوا إلى ما البحث عنه أهم لكم فإنكم تظنون أن إتيان البيوت من ظهورها بر وليس الأمر كذلك".[4]

 

 

[1] - فخرالدين الرازي، التفسير, ج.3، ص.139

[2] - فخرالدين الرازي، التفسير, ج.3، ص.140.

[3]-القرطبي، تفسير، ج.2، ص.341.

[4] - الرازي, التفسير, ج.3, ص.140


    [1] ا-ا لجصاص, أحكام, ج.1, ص. 199

[2] الألوسي، روح المعاني، ج.2، ص.142.

[3] الألوسي, أيضاً.

[4]-  محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، قاموس المحيط ، المكتبة الشاملة, ج.3,ص.184

[5]- ابن منظور, لسان العرب, ج.11,ص.701

[6]- أيضاً.

[7]- أيضا

[8]- أيضا

[9]- أبو حيان: محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان، تفسيرالبحر المحيط ، المكتبة الشاملة, ج.2, ص.215

[10]-  أبو القاسم  محمود بن عمر جار الله  الزمخشري، أساس البلاغة، المكتبة الشاملة, ج.2، ص.4

[11]- ابن تيمية,  فتاوي, ج.6, ص.69

[12]– ابن حجر: فتح الباري ,ج.5, ص.193

[13] - علي حيدر خواجه آفندي، درر الحكام شرح مجلة الأحكام, المكتبة الشاملة, ج.1, ص.7

[14]- أيضا

[15] - – أبو داود، سنن ، ج.13، ص.286

[16]- – أحمد، مسند أحمد، ج.3، ص.332

[17]– أبو داود، ج.13، ص.95.

[18]- أبو داود ج.13، ص.436.

[19]- أبو بكر ابن العربي، أحكام، ج.1، ص.159

[20] - انظر إلى مزيد من التفاصيل في ملا على القاري علي بن سلطان محمد، مرقاة المفاتيح  شرح مشكاة المصابيح، بيروت, دار الفكر، ج.5، ص.282.

Related Articles

Research Articles
Embarrassing Pictures of Jesus

Dr. Zulfiqar Ali Shah, Even though the central pivot of all New Testament writings is Jesus Christ and crucial information...

Research Articles
Netanyahu’s Unholy War

Gaza City, home to over 2.2 million residents, has become a ghostly emblem of devastation and violence

Research Articles
Raped and Discarded Princess

Tamar, the only daughter of King David was raped by her half-brother. King David was at a loss to protect or give her much-needed justice. This is a biblical tale of complex turns and twists and leaves many questions unanswered.

Research Articles
Dinah's Rape and Levi's Deception

The Bible is considered holy by many and X-rated by others. It is a mixture of facts and fiction, some of them quite sexually violent and promiscuous. The irony is that these hedonistic passages are presented as the word of God verbatim with serious moral implications.